وأنت تعلم أن مثل هذا الكتاب يستلزم الكفر الصراح . فأين هذا القادح الفادح من نعيم دار يعدل موضع سوط أحدهم فيها الدنيا بأسرها وجميع ما فيها ومن دار نصيف إحدى زوجاتهم يعدل الدنيا وما فيها ومن دار لو أشرفت إحدى الجواري المعدة لهم على أهل الدنيا لفتنتهم أجمعين كما ثبت في الأحاديث الصحيحة . ومع هذا فقد ثبت قرآنا أنهم على سرر متقابلين وأنه يطوف عليهم ولدان مخلدون . وثبت سنة أنهم يجتمعون ويتزاورون . فليت شعري ما فائدة هذا الاجتماع والتزاور لمن لا عقل له ولا فهم ولا فكر ولا ذكر .
والحاصل أن التقول بمثل هذا القول هو من التقول على الله سبحانه بما لم يقل وعلى رسوله وعلى شريعته . بما لم يكن منها وقد ثبت في القرآن الكريم الحكم على المتقولين بما هو معلوم لكل من يعرف القرآن .
وإذا ثبت أن مثل هذا باطل في الدار الآخرة فانظر إلى هذه الدار دار الدنيا التي ليست بشيء بالنسبة إلى الدار الآخرة لو قيل لأحدهم : إنه سيكون لك ما تريد من جمال الهيئة وكمالها ومن النعيم البالغ ومن الرياسة التامة ولكن ستصاب بالجنون أو تفقد جميع المشاعر لقال : لا ولا كرامة ( 1 / 19 ) دعوني أعش صعلوكا فقيرا فهو أطيب لي مما عرضتموه علي وأحب إلي مما جئتموني به : .
خذوا رفدكم لا قدس الله رفدكم ... سأذهب عنه لا علي ولا ليا .
وإنما أوردنا لك هذه الأمور لتعلم أن الروح للإنسان إذا كان ساذجا كان كله ساذجا إذ الروح هو الإنسانية التي يتميز بها صاحبها عن الدواب وجميع ما ذكرنا من العقل والحواس الباطنة والظاهرة هو له لا للحم ولا لدم ولا لعظم . فإذا كان الروح ساذجا فلم يبق إلا صورة اللحم والدم وهو المقصود بقولهم في بيان ماهية الإنسان ( ( إنه حيوان ناطق ) ) أي : مدرك للمعقولات وليس ذلك للقالب الذي هو فيه