وكذلك لا يتم نعيمهم إلا بوجود الحواس الظاهرة والباطنة ولو فقدوها لما تنعموا كما ينبغي . وكذا لو فقدوا بعضها لم يكن لهم شعور بالتنعيم الذي وصفه الله سبحانه وبالغ فيه . وأي فائدة لفاقد العقل وأي شعور له بكونه على صفة كمالية في جماله ولباسه الحرير والديباج وتحليته بالذهب والجواهر وأكله من أطيب المأكل وشربه من أنفس المشروب . وكذا لا نعمة تامة فضلا عن أن تكون فاضلة لمن كان أعمى أو أصم أو لا يفهم شيئا أو لا يذكر ما مضى له ولا يفكر فيما هو فيه .
وإذا تقرر لك هذا علمت أن أهل الجنة لهم العقول الفائقة بنسبة الدنيا شبابا وجمالا وقوة وفهما وذكرا وحفظا وسلامة من كل نقص .
ولو لم يكن الأمر هكذا لم تكن لهم فائدة بما بولغ به في شأنهم من الصفات بل يعود ذلك بالنقص لما أثبت لهم منها في الجنة هذا معلوم بالعقل والشرع لا يتمارى فيه قط . وأقل ( 1 / 18 ) الحال أن يكون النعيم المحكوم لهم به في الجنة كتابا وسنة ناقصا .
والمفروض أنه بالغ في الكمال إلى غاية فوق كل غاية وهذا خلف يدافع نصوص الكتاب والسنة مدافعة يفهمها كل من له عقل وإدراك . فيا عجبا كل العجب من التجري على أهل هذه الدار التي هي دار النعيم المقيم على الحقيقة بما ينغص نعيمهم ويشوش حالهم ويكدر صفوهم ويمحق ما أعد الله لهم ومن التجري على الله سبحانه وعلى رسوله A بما يستلزم عدم ثبوت ما أثبته الكتاب والسنة لهم وتكديره وذهاب أثره ومحق بركته