وجاء عصر الصحابة جاريا على هذا النمط فكان اللسان العربي عندهم صحيحا لا يتداخله الخلل إلى أن فتحت الأمصار وخالط العرب غير جنسهم فامتزجت الألسن ونشأ بينهم الأولاد فتعلموا من عصر الصحابة وجاء التابعون فسلكوا سبيلهم فما انقضى زمانهم إلا واللسان العربي قد استحال أعجميا فلما أعضل الداء الهم الله سبحانه وتعالى جماعة من أولي المعارف انصرفوا إلى هذا الشأن طرفا من عنايتهم فشرعوا فيه حراسة لهذا العلم الشريف .
فقيل إن أول من جمع في هذا الفن شيئا أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي البصري المتوفى سنة عشر ومائتين فجمع كتابا صغيرا ولم تكن قلته لجهله بغيره وإنما ذلك لأمرين : .
أحدهما : إن كل مبتدئ بشيء لم يسيق إليه يكون قليلا ثم يكثر .
والثاني : إن الناس كان فيهم يؤمئذ بقية وعندهم معرفة فلم يكن الجهل قد عم وله تأليف آخر في غريب القرآن وقد صنف عبد الواحد بن أحمد المليح المتوفى سنة اثنتين وستين وأربعمائة كتابا في رده وأبو سعيد أحمد بن خالد الضرير وموفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي المتوفى سنة تسع وعشرين وستمائة صنفا في رد غريب الحديث .
ثم جمع أبو الحسن النضر بن شميل المازني النحوي بعده أكثر منه المتوفى سنة أربع ومائتين ثم جمع عبد الملك بن قريب الأصمعي كتابا أحسن فيه وأجاد وكذلك محمد بن المستنير المعروف بقطرب وغيره من الأئمة جمعوا أحاديث وتكلموا على لغتها في أوراق ولم يكد أحدهم ينفرد عن غيره بكثير حديث لم يذكره الآخر .
ثم جاء أبو عبيد القاسم بن سلام بعد المائتين فجمع كتابه فصار هو القدوة في هذا الشأن فإنه أفنى فيه عمره حتى لقد قال فيما يروى عنه : أني جمعت كتابي هذا في أربعين سنة وربما كنت استفيد الفائدة من الأفواه فأضعها في موضعها فكان ( 2 / 389 ) خلاصة عمري وبقي كتابه في أيدي الناس يرجعون إليه في غريب الحديث