قال شيخنا العلامة المجتهد المطلق قاضي القضاة محمد بن علي الشوكاني في فتاواه المسماة ( بالفتح الرباني ) : ( ( إنه وصل السؤال عن الكلام للحافظ الذهبي من أن علوم أهل الجنة تسلب عنهم في الجنة ولا يبقى ( 1 / 16 ) لهم شعور بشيء منها فاقشعر جلدي عند الاطلاع على هذا الكلام من مثل الحافظ الذي أفنى عمره في خدمة الكتاب والسنة والتراجم لعلماء هذا الشأن . وقد كنت قديما وقفت على شيء من هذا لكن لفرد شاذ من أفراد الحكماء قاله لا عن دراية ولا رواية فلم أعبأ به لجهله بالكتاب والسنة فياليت شعري كيف يجري قلم أحقر عالم من علماء الشريعة بمثل هذا . وعجبت ما أدخل هذا الحافظ في مثل هذه المداخل المقفرة المكفهرة التي يتلون الخريف في شعابها وهضابها ويتحمل هذا النقل الثقيل والعبئ الجليل . والحاصل أن الطوائف الإسلامية على اختلاف مذاهبهم وتباين طرقهم متفقون على أن عقول أهل الجنة تزداد صفاء وإدراكا لذهاب ما كان يعتريهم من الكدورات الدنيوية . وكيف يسلبون ما هو عندهم من أوفر النعم وأوفر القسم وهم في دار فيها ما تشتهيه النفس وتلذ به الأعين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فكأن هذا القائل لم يقرأ القرآن الكريم وما اشتمل عليه من تحاور أهل الجنة وأهل النار وتخاصمهم بتلك الحجج التي لا تصدر إلا عن أكمل الناس عقلا وأوفر الخلائق فهما وما يذكرونه من حالهم الذي كانوا عليه في أهليهم بل ما يودونه من إبلاغ الأحياء عنهم ما صاروا فيه من النعيم قال : ( يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) [ يس : 27 ]