وأما معنى التعبير فاعلم أن الروح العقلي إذا أدرك مدركه وألقاه إلى الخيال فصوره فإنما يصوره في الصور المناسبة لذلك المعنى بعض الشيء كما يدرك معنى السلطان الأعظم فيصوره الخيال بصورة البحر أو يدرك العداوة فيصورها الخيال في صورة الحية فإذا استيقظ وهو لم يعلم من أمره إلا أنه رأى البحر أو الحية فينظر المعبر بقوة التشبيه بعد أن يتيقن أن البحر صورة محسوسة وأن المدرك وراءها وهو يهتدي بقرائن أخرى تعين له المدرك فيقول مثلا : هو السلطان لأن البحر خلق عظيم يناسب أن يشبه به السلطان وكذلك الحية يناسب أن تشبه بالعدو لعظم ضررها وكذا الأواني تشبه بالنساء لأنهن أوعية وأمثال ذلك ومن الرؤيا ما يكون صحيحا لا يفتقر إلى تعبير لجلائها ووضوحها أو لقرب الشبه فيها بين المدرك وشبهه .
ولهذا وقع في الصحيح : ( ( الرؤيا ثلاث رؤيا من الله ورؤيا من الملك ورؤيا من الشيطان ) ) فالرؤيا التي من الله هي الصريحة : التي لا تفتقر إلى تأويل والتي من الملك : هي الرؤيا الصادقة : التي تفتقر إلى التعبير والرؤيا التي من الشيطان : هي الأضغاث .
واعلم أيضا أن الخيال إذا ألقى أليه الروح مدركة فإنما يصوره في القوالب ( 2 / 170 ) المعتادة للحس ما لم يكن الحس أدركه قط فلا يصور فيه فلا يمكن من ولد أعمى أن يصور له السلطان بالبحر ولا العدو بالحية ولا النساء بالأواني لأنه لم يدرك شيئا من هذه وإنما يصور له الخيال أمثال هذه في شبهها ومناسبها من جنس مداركه التي هي المسموعات والمشمومات وليتحفظ المعبر من مثل هذا فربما اختلط به التعبير وفسد قانونه