ثم إن الأحوال المتعلقة بشيء موحد أو أشياء مناسبة تناسبا معتدا به إما في أمر ذاتي كالخط والسطح والجسم التعليمي المتشاركة في مطلق المقدار الذي هو ذاتي لها كعلم الهندسة أو في أمر عرضي كالكتاب والسنة والإجماع والقياس المتشاركة في كونها موصلة إلى الأحكام الشرعية كعلم أصول الفقه فنكون تلك الأحوال من الأعراض الذاتية التي تلحق الماهية من حيث هي لا بواسطة أمر أجنبي .
وأما التي جميع مباحث العلم راجعة إليها فهي إما راجعة إلى نفس الأمر الذي هو الواسطة كما يقال في الحساب : العدد إما زوج أو فرد أو إلى جزئي تحته كقولنا : الثلاثة فرد وكقولنا في الطبيعي : الصورة تفسد وتخلف به لا عنه أو إلى عرض ذاتي له كقولنا : المفرد إما أول أو مركب .
وأما العرض الغريب وهو ما يلحق الماهية بواسطة أمر عجيب إما خارج عنها أعم منها أو أخص فالعلوم لا تبحث عنه فلا ينظر المهندس في أن الخط المستدير أحسن أو المستقيم ولا في أن الدائرة نظير الخط المستقيم أو ضده لأن الحسن والتضاد غريب عن موضوع علمه وهو المقدار فإنهما يلحقان المقدار لا لأنه مقدار بل لوصف أعم منه كوجوده أو كعدم وجوده .
وكذا الطبيب لا ينظر في أن الجرح مستدير أم غير مستدير لأن الاستدارة لا تلحق الجسم من حيث هو جريح بل لأمر أعم منه كما مر وإذا قال الطبيب هذه الجراحة مستديرة والدوائر أوسع الأشكال فيكون بطيء البرء لم يكن ما ذكره من علمه