اعلم أن السعادة الإنسانية لما كانت منوطة بمعرفة حقائق الأشياء وأحوالها بقدر الطاقة البشرية وكانت الحقائق وأحوالها متكثرة متنوعة تصدى الأوائل لضبطها وتسهيل تعليمها فأفردوا الأحوال الذاتية المتعلقة بشيء واحد أو بأشياء متناسبة ودونوها على حدة وعدوها علما واحدا وسموا ذلك الشيء أو الأشياء موضوعا لذلك العلم لأن موضوعات مسائله راجعة إليه .
فموضوع العلم ما تنحل إليه موضوعات مسائله وهو المراد بقولهم في تعريفه بما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية . فصار كل طائفة من الأحوال بسبب تشاركها في الموضوع علما منفردا ممتازا بنفسه عن طائفة متشاركة في موضوع آخر .
فتمايزت العلوم في أنفسها بموضوعاتها وهو تمايز اعتبروه مع جواز الامتياز شيء آخر كالغاية والمحمول . وسلكت الأواخر أيضا هذه الطريقة الثانية في علومهم وذلك أمر استحسنوه في التعليم والتعلم . وإلا فلا مانع عقلا من أن يعد كل مسألة علما برأسه ويفرد بالتعليم والتدوين ولا من أن يعد مسائل متكثرة غير متشاركة في الموضوع علما واحدا يفرد بالتدوين وإن تشاركت من وجه آخر ككونها متشاركة في أنها أحكام بأمور على أخرى .
فعلم أن حقيقة كل علم مدون المسائل المتشاركة في موضعها واحد وأن لكل علم موضوعا وغاية . وكل علم له جهة وحدة تضبط تلك المسائل المتكثرة وتعد باعتبارها علما واحدا . إلا أن الأولى جهة وحدة ذاتية والثانية جهة وحدة عرضية . ولذلك تعرف العلوم تارة ( 1 / 45 ) باعتبار الموضوع فيقال في تعريف المنطق مثلا : علم يبحث فيه عن أحوال المعلومات وتارة باعتبار الغاية فيقال في تعريفه : آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر