@ 29 @ | الأوضاع المخصوصة ، أي : التي تأثرت من تأثير النفس الحيوانية التي هي فرس الحياة ، | فيمثل الطبيعة بصورة العجل المفرغ في قالب المواد الذي همه الأكل والشرب ودأبه | اللذة والشهوة دون العمل والسعي بالإثارة والتعب كما أشير إليه ، وينتفخ فيه روح الهوى | فيحيا ويتقوى ويصيح ذا خوار ، فيعبده جميع القوى ويتخذه إلها ، وكلما نبهها العقل | المؤيد بنور القلب على ضلالها وفتنتها ودعاها إلى الحق ومتابعة الرأي العقلي وطاعته ، | خالفته حتى يرجع إليها القلب المنور بنور الحق ، المؤيد بتأييد القدس ، غضبان لله تعالى | أسفا على ضلالها وتفرقها في الدين ، ويعيرها ويعنفها بلسان النفس اللوامة ، ويأخذها | بالوعد والوعيد ، ويذكرها طول العهد من قرب الرب بمقتضى الخلقة والنشأة والسقوط | عن الفطرة ، ويخوفها باستحقاق الغضب والسخطة عن نسيان العهد وإخلاف الوعد حين | الإقرار بالربوبية عند ميثاق الفطرة ، فلا ينجع فيها القول إذا صارت مأسورة في أسر | الهوى ، منقادة لسلطان التخيل ، مستسلمة للردى ، ولا طريق إلا خرق الطبيعة الجسدانية | بمبرد المجاهدة وإحراقها بنار الرياضة ونسفها برياح نفحات الرحمة الإلهية التي إذا هبت | بها لاشت في يم الهيولى الجرمية لا حياة بها ولا حراك بعد تغير القوة العاقلة بعد | متابعتها للقلب ومشايعتها للسر في التوجه ، وبوجود موافقتها للقوى في الميل إلى | الطبيعة والأخذ برأسها إلى جهتها العادية التي تلي الروح بتأثير النور فيه حتى تنفعل | وتتأثر بشعاع القدس ونور الهداية الحقانية ولحيتها التي هي الهيئة الذكورية وصورة التأثير | فيما تحت ، أي : جهتها السفلية التي تلي القوى النفسانية . وجرها إليه ، أي : الجهة | العلوية وجناب الحق وعالم القدس الذي هو فيه ، فيتقوى بالأيد الإلهي والقدرة الربانية | وجولانها فتؤثر فيها وتطوعها بأمر الحق لها وللقلب ، ويستخلصها من قهر التخيل | والوهم . واعتذار هارون إشارة إلى أن العقل غير المتنور بنور الهداية ، المتأيد بأمر | الشريعة ، لا يقدر أن يحافظ القوى ويعاند التخيل والهوى ، ولا يزيدها إلا التفرقة | الموقعة في الردى . وعند استيلاء نور القلب والعقل وقهر الطبيعة بالكلية وحصول | الاستقامة في الطريقة ، ينخزل التخيل وينعزل ولا يقدر أن يماس شيئا من القوى بتخييله | ولا يقاربه قوة منها بقبول تسويله فيصير ملعونا ، مطرودا ، فيقول : لا مساس . وله | موعد ، أي : حد ورتبة لا يجد خلفا فيه ولا يتجاوز ، فيترأس ، ويستولي ، ويروج أكاذيبه | وغلطه بالمعقولات ، وينفقه في المرادات . | .
تفسير سورة طه من [ آية 98 - 104 ] |