@ 395 @ | للصابرين ) ^ [ النحل ، الآية : 126 ] للتسجيل عليهم بالمدح والتعظيم بصفة الصبر ، فإن | الصابر ترقى عن مقام النفس وقابل فعل نفس صاحبه بصفة القلب فلم يتكدر بظهور | صفة النفس وعارض ظلمة نفس صاحبه بنور قلبه ، فكثيراً ما يندم ويتجاوز عن مقام | النفس ، وتنكسر سورة غضبه فيصلح ، وإن لم يكن لكم هذا المقام الشريف فلا | تعاقبوا المسيء لسورة الغضب بأكثر مما جنى عليكم فتظلموا ، أو تتورطوا بأقبح | الرذائل وأفحشها فيفسد حالكم ويزيد وبالكم على وبال الجاني . | | [ تفسير سورة النحل من آية 127 إلى آية 128 ] | ^ ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) ^ اعلم أن الصبر أقسام : صبر لله ، وصبر في الله ، | وصبر مع الله ، وصبر عن الله ، وصبر بالله ، فالصبر لله هو من لوازم الإيمان وأول | درجات أهل الإسلام . قال النبي عليه صلى الله عليه وسلم : ' الإيمان نصفان ، نصف صبر | ونصف شكر ' ، وهو حبس النفس عن الجزع عند فوات مرغوب أو وقوع مكروه ، | وهو من فضائل الأخلاق الموهوبة من فضل الله لأهل دينه وطاعته المقتضى للثواب | الجزيل . والصبر في الله هو الثبات في سلوك طريق الحق ، وتوطين النفس على | المجاهدة بالاختيار ، وترك المألوفات واللذات ، وتحمل البليات ، وقوة العزيمة في | التوجه إلى منبع الكمالات ، وهو من مقامات السالكين ، يهبه الله لمن يشاء من فضله | من أهل الطريقة . والصبر مع الله هو لأهل الحضور ، والكشف عند التجرد عن ملابس | الأفعال والصفات ، والتعرض لتجليات الجمال والجلال ، وتوارد واردات الأنس | والهيبة ، فهو بحضور القلب لمن كان له قلب ، والاحتراس عن الغفلة والغيبة عند | التلوينات بظهور النفس وهو أشق على النفس من الضرب على الهام ، وإن كان لذيذاً | جداً . والصبر عن الله هو لأهل الجفاء والحجاب ، نورانياً كان أو ظلمانياً ، وهو مذموم | جداً ، وصاحبه ملوم حقاً وكلما كان أصبر كان أسوأ حالاً وأبعد ، وكلما كان في ذلك | أقوى كان ألوم وأجفى أو لأهل العيان والمشاهدة من العشاق والمشتاقين المتقلبين في | أطوار التجلي والاستتار ، والمنخلعين عن الناسوت المتنورين بنور اللاهوت ما بقي | لهم قلب ولا وصف كلما لاح لهم نور من سبحات أنوار الجمال احترقوا وتفانوا ، | وكلما ضرب لهم حجاب ورد وجوههم تشويقاً وتعظيماً ذاقوا من ألم الشوق وحرقة | الفرقة ما عيل به صبرهم وتحقق موتهم وهو من أحوال المحبين ولا شيء أشق من | هذا الصبر وأشد تحملاً وأقتل ، فإن أطاقه المحب كان خافياً وإن لم يطق كان فانياً فيه | هالكاً ، وفي هذا المقام قال الشبلي : |