تقدم فقال أيها الملك إن هذا يريد أن يسمك في هذه الغضارة فإنه قد جعل فيها سم ساعة فلا تأكلها وجربها ليصح لك قولي فقال الرجل هذا إلي وما بنا إلى تجربتها حاجة على حيوان أنا آكل منه فبادر فأكل منها لقمة فتلف في الحال لأنه لا يعلم بالقصة فقال صاحب المائدة الأول إنما أكل ليتلف أيها الملك لما علم أنك إذا جربته وصح عندك قتلته فقتل هو نفسه بيده واستراح من عذاب توقعه فيه فلم يشك الملك في صحة قوله ورد إليه مرتبته وزاد في إكرامه وعظمته ومضت السنون على ذلك فاتفق أن عرض للملك علة كان يسهر لأجلها وكان يخرج بالليل ويطوف في صحون حجره ودوره وبساتينها ويستمع على أبواب حجر نسائه وغيرها فانتهى ليلة في طوافه إلى حجرة الطباخ وفيها ذلك اليهودي وغلمانه وهو جالس يحدث بعض أصحاب المطبخ ويتشكى إليه ويقول إنه يقصر في حقي وإنما أنا أصل نعمته وما هو فيه فقال له المحدث وكيف صرت أصل نعمته فاستكتمه ما يحدثه به فضمن له ذلك فحدثه بحديث الشيراز والسم فلما سمع الملك ذلك قامت قيامته وأحضر الموبذ من غد وحدثه بالحديث وشاوره فيما يعمل مما يزيل ذلك عنه إثم ذلك الفعل في معاده فأمره بقتل اليهودي وصاحب المائدة والإحسان إلى عقب الذي كان قتل نفسه ثم قال ولا يزيل عنك إثم هذا إلا أن تطوف في عملك حتى تنتهي إلى بقعة خراب فتستحدث لها عمارة ونهرا وشرابا فيعيش الناس بذلك في باقي الدهر فتكون كمن أحيا شيئا عوضا عمن أماته فيتمحص عنك الإثم فقتل الملك الرجلين وطاف عمله حتى بلغ موضع النهروان وهو صحراء خراب فأجمع رأيه على حفر نهر فيه وأحدث قرى عليه وسماه ثواب العمل لأجل هذه القصة قلت أنا وقد سألت جماعة من الفرس إذ لم أثق بما أعرفه منها هل بين هذا اللفظ ومسماه توافق فلم يعرفوا ذلك ولعله باللغة الفهلوية قال ابن الجراح في تاريخه في سنة 236 في ذي القعدة أصعد بجكم التركي إلى بغداد ليدفع عنها محمد بن رائق مولى محمد الخليفة فبعث أحمد بن علي بن سعيد الكوفي من يبثق نهر النهروان إلى درب ديالى فلما أشرف عليه بجكم قال يا قوم لقد أحسنوا إلينا وأمر بسفينتين فنصبتا عليه جسرا فعبر هنيئا مريئا ولو ركبه ما كان يصعب ركوبه قال فحدثني أحمد الكاتب بن محمد بن سهل وكان على ديوان فارس في ديوان الخراج وقد تجاذبنا خبر خطاب السواد ومنه النهروانان وعليهما يومئذ للسلطان ألف ألف ومائتا ألف دينار فأخرجها الكوفي قال حضرت مجلس الكوفي وقت لي بجكم وقد كتب إلى عامله عليها جواب كتابه في أمر أعجزه ويلك ولو في قبلك يعني ماء النهروان إلى درب ديالي ففعل وعظم أمره المستحفل وبقي البلد خرابا مدة أربع عشرة سنة حتى فني أهله بالغربة والموت إلى أن قبض الله معز الدولة أبا الحسين أحمد بن بويه الديلمي فسده بعد أن سد مرارا فانقلع ووقع الناس منه في شدة فلما قضى الله سده عاش اليسير فمن بقي من أهله تراجعوا إليه ثم ذكر ابن الجراح أيضا في سنة 13 لما ورد ناصر الدولة الحسن بن حمدان إلى بغداد مستوليا على تدبير الأمور بها أطلق عشرين ألف دينار للنفقة على بثق النهروان بالسهلية قال وكنا في هذا الموضع بحضرة ناصر الدولة وجرى ذكر هذا البثق بمحضر من يواخي وكان عبيد الله بن محمد الكلواذاني صاحب الديوان حاضرا وخاضوا فيه وفيما يرتفع بإصلاحه من نواحيه وهي النهروانات الثلاثة وجاذر