{ عقل } ... قد تكرر في الحديث ذِكْر [ العَقْل والعُقُول والعَاقِلة ] أما العَقْل : فهو الدِّية وأصْلُه : أنَّ القاتل كان إذا قَتَل قتيلا جمع الدِّيَة من الإبل فعَقَلها بفِنَاء أوْلِياء المَقْتول : أي شَدَّها في عُقُلها ليُسَلِمها إليهم ويَقبِضُوها منه فسُمِّيت الدِّية عَقْلاً بالمصدر . يقال : عَقَل البَعير يَعْقله عَقْلا وجَمْعُها عُقُول . وكانَ أصلُ الدِّية الإبل ثم قُوّمتْ بعد ذلك بالذَّهَب والفِضَّة والبَقَر والغَنَم وغيرها .
والعَاقِلَة : هي العَصَبة والأقارب مِن قِبَل الأب الذي يُعْطُون ديَةَ قتيل الخطأ وهي صفَة جماعة عاقلة وأصلها اسم فاعلة من العَقْل وهي مِن الصِّفات الغَالِبة .
- ومنه الحديث [ الدِّية على العَاقلة ] .
- والحديث الآخر [ لا تَعْقِلُ العاقلةُ عَمْداً وَلاَ عَبْدا وَلاَ صُلْحا ولا اعْتِرَافاً ] أي أَنَّ كُلَّ جنَايَة عَمْد فإنها من مَال الجاني خاصَّةً ولا يلزمُ العاقِلَة منها شيء وكذلك ما اصْطَلحوا عليه من الجِنَايات في الخَطَأ . وكذلك إذا اعْتَرف الجاني بالجِناية من غيْر بيِّنة تَقُوم عليه وإن ادّعى أنَّها خطأ لا يُقْبل منه ولا تُلْزم بها العاقِلَة . وأما العبد فهو أن يَجْنِي على حُرٍّ فليس على عاقلة مولاه شيء من جِنَاية عَبْده وإنَّما جِنَايَتُه في رَقبَته وهو مذهب أبي حنيفة .
وقيل : هو أن يَجْنِي حُرٌّ على عبد فليس على عاقِلة الجاني شيء إنَّما جِنَايَتُه في ماله خاصَّةً وهو قول ابن أبي لَيْلَى وهو مُوافق لكلام العرب إذ لو كان المعنى على الأوّل لكان الكلام [ لا تَعْقِل العاقلةُ على عبد ] ولم يكن [ لا تَعْقِل عبدا ] واختاره الأصمعيّ وأبو عبيد .
( ه ) ومنه الحديث [ كَتب بين قُرَيش والأنصار كِتابا فيه : المُهاجِرُون من قُريش على رَبَاعَتهم يَتَعاقلون بينهم مَعاقِلَهُم الأُولَى ] أي يكونون على ما كانوا عليه من أخْذِ الدِّيات وإعطائها . وهو تَفاعُل من العقل . والمَعاقِلُ : الدِّيَات جمع مَعْقُلَة . يقال : بنو فُلان على معاقلهم التي كانوا عليها : أي مَراتبِهم وحالاتهم .
- ومنه حديث عمر [ إنَّ رجلا أتاه فقال : إنَّ ابْنَ عَمّي شُجَّ مُوضِحَةً فقال : أمِنْ أهل القُرَى أم مِن أهل البَادِية ؟ قال : من أهْل البادِية فقال عُمر : إنَّا لا نَتَعاقَل المُضَغَ بَيْننا ] المُضَغُ : جَمْع مُضْغَة وهي : القِطْعة من اللَّحْم قَدْرَ ما يُمْضَغ في الأصْل فاستعارها للْمُوضِحَة وأشْباهِها من الأطْراف كالسِّنِّ والإصْبع مما لم يَبْلغ ثُلُث الدّية فسماها مُضغَةً ( في ا : [ مُضَغاً ] ) تَصْغيراً لها وتَقْلِيلا . ومعنى الحديث أنَّ أهْلَ القرى لا يَعْقِلُون عن أهْل البَادية ولا أهْل البَادية عن أهل القُرى في مِثْل هذه الأشْياء . والعاقِلَة لا تَحْمِل السّنّ والإصْبع والمُوضِحَة وأشْباه ذلك .
( ه ) ومنه حديث ابن المُسَيِّب [ المرأةُ تُعاقِل الرَّجل إلى ثُلُث دِيتِها ] يعني أنَّها تُسَاوِيه فيما كان من أطْرافِها إلى ثُلُث الدِّية فإذا تَجَاوَزَت الثُلث وبَلَغ العَقْلُ نصْفَ الدِّية صارت دِيةُ المرْأة على النِّصْف من دِيَة الرجل .
- ومنه حديث جَرير [ فاعْتَصم ناسٌ منْهم بالسُّجود فأسْرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم فأمرَ لهم بِنصْف العَقْل ] إنما أمر لهم بالنّصف بَعْد عِلْمه بإسْلامِهم لأنهم قد أعانُوا على أنْفُسهم بمقامِهم بَيْن ظَهْرَاني الكفار فكانوا كمن هَلَك بِجنايَة نَفْسِه وجِناية غَيْره فَتَسْقُطُ حِصَّة جِنايَتِه من الدِّية .
( ه ) وفي حديث أبي بكر [ لو مَنَعوني عِقَالا ممَّا كانوا يؤدونه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقَاتَلْتُهم عليه ] أرادَ بالعِقَال : الحَبْل الذي يُعْقل به البَعير الذي كان يُؤخَذَ في الصَّدقة لأنَّ على صاحبها التَّسْليم . وإنََما يَقَع القَبْضُ بالرِّباط .
وقيل : أراد ما يُسَاوي عِقَالاً من حُقوق الصَّدقة .
وقيل : إذا أخَذَ المُصَدِّق أعْيان الإبل قيل : أخَذَ عِقَالاً وإذا أخذ أثمانَها قيل : أَخَذ نقدا . وقيل : أراد بالعِقال صَدَقةَ العَام . يقال : أخذ المُصدِّق عقال هذا العام : أي أخَذ منهم صَدَقَته . وبُعِث فلان على عِقَال بني فلان : إذا بُعث على صَدَقاتهم . واخْتاره أبو عبيد وقال هو أشْبه عندي بالمعنى .
وقال الخطّابي : إنما يُضْرب المَثَل في مِثل هذا بالأقَلِّ لا بالأكْثر وليس بسائر في لسَانهم أنَّ العِقال صَدَقة عام وفي أكثر الروايات [ لو مَنَعوني عَنَاقاً ] وفي أخرى [ جَدْياً ] .
قلت : قد جاء في الحديث ما يَدُل على القَوْلَين .
- فمن الأوّل حديث عمر [ أنَّه كان يأخُذ مع كلِّ فَرِيضة عِقَالاً وَرِوَاء فإذا جاءت إلى المدينة باعَها ثم تصدَّق بها ] .
- وحديث محمد بن مَسْلَمة [ أنه كان يعمل على الصَّدقة في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فكان يأمر الرجل إذا جاء بِفَرِيضَتَين أن يأتيَ بعِقَالَيْهما وقِرَانَيْهما ] .
- ومن الثاني حديث عمر [ أنَّه أخَّر الصَّدقة عام الرَّمادَة فلمَّا أحيا الناسُ بَعَث عامِلَه فقال : اعْقِل عنهم عِقَالَيْن فاقْسم فيهم عِقَالاً وأْتِني بالآخر ] يُريد صَدقة عامَيْن .
- وفي حديث معاوية [ أنه اسْتَعْمَل ابن أخيه عمرو بن عتبة بن أبي سفيان على صَدقات كلْب فاعْتَدى عليهم فقال ابن العَدَّاء الكَلْبي : .
سَعَى عِقَالاً فلم يَتْرُك لنا سَبَداً ... فكَيْف لَو قَدْ سَعَى عَمْرٌو عِقَالَيْنِ .
نَصَبَ عِقالاً على الظَّرف أرادَ مُدّة عِقَال .
- وفيه [ كالْإِبِل المُعَقَّلَة ] أي المَشْدُودَة بالعِقال والتَّشْديد فيه للتَّكثير .
- ومنه حديث علي وحَمْزة والشُّرْب .
- وهُنّ مُعَقَّلاَتٌ بالْفِنَاء .
- ومنه حديث عمر [ كُتِب إليه أبْيَات في صَحِيفة مِنْها : .
فَمَا قُلُصٌ وُجِدْنَ مُعَقَّلاَتٍ ... قَفَا سَلْعٍ بمُخْتَلَف التِّجَارِ ( في الأصل و ا واللسان ( أزر ) : [ النجار ] بالنون . وأثبتناه بالتاء من الفائق 2 / 266 ، واللسان ( عقل ) وتاج العروس ( عقل ) . وقال الزمخشري : مختَلَف التِّجار : موضع اختلافهم وحيث يمرون جائين وذاهبين ) .
يَعْني نِسَاء مُعَقَّلاَت لأزْوَاجِهِنَّ كما تُعَقَّل النُّوق عند الضِّراب . ومِن الأبيات أيضا : .
- يُعَقّلُهُنّ جَعْدَةُ مِنْ سُلَيْمٍ .
أراد أنَّه يَتَعَرَّضُ لهُنَّ فكَنَى بالعَقْل عن الجِماع : أي أنَّ أزْواجَهُنَّ يُعَقِّلُونَهُنّ وهو يُعَقِّلُهن أيضا كأنّ البَدْء للأزْواج والإعَادَة له .
- وفي حديث ظبيان [ إنَّ مُلوك حِمْير مَلَكُوا مَعاقِلَ الأرض وقَرارَها ] المعَاقِل : الحُصُون واحِدُها : مَعْقِل .
- ومنه الحديث [ ليَعْقِلَنّ الدِّين من الحجاز مَعْقِل الأُرْوِيَّة من رأسِ الجبَل ] أي ليَتحَصَّن ويَعْتَصِم ويَلْتَجِئ إليه كما يَلْتَجِئ الوَعِلُ إلى راس الجبل .
- وفي حديث أم زَرْع [ واعْتَقل خَطِّيّاً ] اعْتِقال الرُّمح : أن يَجْعَلَه الراكِبُ تحت فخذِه ويَجُرّ آخرَه على الأرض وَرَاءَه .
- ومنه حديث عمر [ مَن اعْتَقل الشَّاة وحَلَبها وأكَل مع أهله فقد بَرئ من الكبْر ] هو أن يَضَع رجْلَها بين سَاقِه وفَخذِه ثم يَحْلِبَها .
- وفي حديث علي [ المُخْتَصّ بِعَقائل كراماتِه ] جمْع عَقِيلة وهي في الأصل : المرأة الكريمة النفيسة ثم اسْتُعْمِل في الكريم النَّفِيس من كل شيء من الذَّوات والمَعانِي .
- وفي حديث الزِّبْرِقَان [ أحَبُّ صبْيانِنَا إلينا الأبْلَهُ العَقُول ] هو الذي يُظَنُّ به الحمُقُ فإذا فُتِّشَ وُجِدَ عَاقِلا . والعَقُول : فَعُول مِنه للمُبَالغة .
( س ) ومنه حديث عمرو بن العاص [ تِلك عُقُول كادَهَا بَارِئُها ] أي أرادَها بِسُوء .
( س ) وفيه [ إنه كان للنبي صلى اللّه عليه وسلم فَرس يُسَمَّى ذا ( في الأصل و ا : [ ذو ] والتصحيح من اللسان ) العُقَّال ] العُقَّال بالتَّشديد : دَاءٌ في رِجْلَيِ الدَّوابِّ وقد يُخَفَّف سُمّي به لدَفْع عين السُّوء عنه .
قال الجوهري : وذُو عُقَّال اسم فَرس .
( ه ) وفي حديث الدجّال [ ثم يأتي الخِصْبُ فيُعَقِّلُ الكَرْمُ ] أي يُخْرِج العُقَّيْلَى وهي الحِصْرِم