وفي حديث أبى بكر رضى الله تعالى عنه في الهجرة لقيهما رجل بكراع الغميم فقال من أنتم فقال أبو بكر باغ وهاد عرض ببغاء الابل وهداية الطريق وهو يريد طلب الدين والهداية من الضلالة وقال ابن احمر : أو باغيان لبعران لنا رفضت * كى لا يحسون من بعراننا أثرا قالوا أراد كيف لا يحسون ( ج بغاة ) كقاض وقضاة ( وبغيان ) كراع ورعيان ومنه حديث سراقة والهجرة انطلقوا بغيانا أي ناشدين وطالبين وفي الصحاح يقال فرقوا لهذه الابل بغيانا يضبون لها أي يتفرقون في طلبها فقول شيخنا وأما بغيان ففيه نظر مردود ( وانبغى الشئ تيسر وتسهل ) وقال الزجاج انبغى لفلان أن يفعل أي صلح له أن يفعل كذا وكانه قال طلب فعل كذا فانطلب له أي طاوعه ولكنهم اجتزوا بقولهم انبغى وقال الشريف أبو عبد الله الغرناطي في شرح مقصورة حازم قد كان بعض الشيوخ يذهب الى ان العرب لا تقول انبغى بلفظ المضى وانها انما استعملت هذا الفعل في صيغة المضارع لا غير قال وهذا يرده نقل أهل اللغة فقد حكى أبو زيد العرب تقول انبغى له الشئ ينبغى انبغاء قال والصحيح ان استعماله بلفظ المضى قليل والاكثر من العرب لا يقوله فهو نظير يدع وودع إذ كان ودع لا يستعمل الا في القليل وقد استعمل سيبويه انبغى في عبارته في باب منصرف رويد قال شيخنا وقد ذكر انبغى غير أبي زيد نقله الخطابى عن الكسائي والواحدي عن الزجاج وهو في الصحاح وغيره واستعمله الشافعي كثيرا وردوه عليه وانتصر .
له البيهقى في الانتصار بمثل ما هنا وعلى كل حال هو قليل جدا وان ورد انتهى * قلت أما وقول الزجاج فقد قدمناه وأما نص الصحاح فقال وقولهم ينبغي لك أن تفعل كذا هو من أفعال المطاوعة يقال بغيته فانبغى كما تقول كسرته فانكسر ( وانه لذو بغاية بالضم ) أي ( كسوب ) وفي المحكم ذو بغاية للكسب إذا كان يبغى ذلك وقال الاصمعي بغى الرجل حاجته أو ضالته يبغيها بغاء وبغية وبغاية إذا طلبها قال أبو ذؤيب بغاية انما يبغى الصحاب من ال * - فينان في مثله الشم الاناجيح ( وبغت المرأة تبغى بغيا ) وعليه اقتصر ابن سيده وفي الصحاح بغت المرأة بغاء بالكسر والمد ( وباغت مباغاة وبغاء ) قال شيخنا ظاهره ان المصدر من الثلاثي البغى وانه يقال باغت بغاء والاول صحيح وأما باغت فغير معروف وان ورد سافر ونحوه لاصل الفعل بل صرح الجماهير بان البغاء مصدر لبغت الثلاثي لا يعرف غيره والمفاعلة وان صح ففيه بعد ولم يحمل أحد من الائمة الاية على المفاعلة بل حملوها على أصل الفعل انتهى * قلت وهذا الذى ذكره كله صحيح الان قوله وأما باغت فغير معروف ففيه نظر فقال ابن خالويه البغاء مصدر بغت المرأة باغت وفي الصحاح خرجت الامة تباغى أي تزانى فهذا يشهد أن باغت معروف وجعلوا البغاء على زنة العيوب كالحران والشراد لان الزنا عيب وقوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء أي الفجور ( فهى بغى ) ولا يقال ذلك للرجل قاله اللحياني ولا يقال للمرأة بغية وفي الحديث امرأة بغى دخلت الجنة في كلب أي فاجرة ويقال للامة بغى وان لم يرد به الذم وان كان في الاصل ذما وقال شيخنا يجوز حمله على فعيل كغنى وأما في آية السيدة مريم جزم به الشيخ ابن هشام وغيره ان الوصف هناك على فعول وأصله بغوى ثم تصرفوا فيه ولذلك لم تلحقه الهاء ( و ) يقال أيضا امرأة ( بغو ) كما في المحكم وكانه جئ به على الاصل قال شيخنا وأما قوله بغو بالواو فلا يظهر له وجه لان اللام ليست واوا اتفافا ولا هناك سماع صحيح يعضده مع أن القياس يأباه انتهى * قلت إذا كان بغيا أصله فعول كما قرره ابن هشام فقلبت الياء واوا ثم أدغمت فالقياس لا يأباه وأما السماع الصحيح فناهيك بابن سيده ذكره في المحكم وكفى به قدوة فتأمل ( عهرت ) أي زنت وذلك لتجاوزها ما ليس لها ( والبغى الامة فاجرة مثل قولهم كانت أو غير فاجرة ( أو الحرة الفاجرة ) صوابه أو الفاجرة حرة كانت أو أمة وقوله تعالى وما كانت أمك بغيا أي ما كانت فاجرة مثل قولهم ملحفة جديد عن الاخفش كما في الصحاح وأم مريم حرة لا محالة ولذلك عم ثعلب بالبغاء فقال بغت المرأة فلم يخص أمة ولا حرة والجمع البغايا وأنشد الجوهري للاعشى : يهب الجلة الجراجر كالبستان تحنو لدردق أطفال والبغايا يركضن أكسية الاضريج والشرعبى ذا الاذيال أراد ويهب البغايا لان الحرة لا توهب ثم كثر في كلامهم حتى عموا به الفواجر اماء كن أو حرائر ( وبغى عليه يبغى بغيا علا وظلم و ) أيضا ( عدا عن الحق واستطال ) وقال الفراء في قوله تعالى والاثم والبغى بغير الحق ان البغى الاستطالة على الناس وقال الازهرى معناه الكبر وقيل هو الظلم والفساد وقال الراغب البغي على ضربين أحدهما محمود وهو تجاوز العدل الى الاحسان والفرض الى التطوع والثانى مذموم وهو تجاوز الحق الى الباطل أو تجاوزه الى الشبه ولذلك قال الله تعالى انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق فحص العقوبة بمن يبغيه بغير الحق قال والبغى في أكثر المواضع مذموم قال الازهرى وأما قوله تعالى فمن اضطر غير باغ ولا عاد فقيل غير باغ أكلها تلذذا وقيل غير طالب مجاوزة قدر حاجته وقيل غير باغ على الامام وقال الراغب أي غير طالب ما ليس له طلبه قال الازهرى ومعنى البغى قصد الفساد وفلان يبغى على الناس إذ اظلمهم وطلب أذاهم وقال الجوهري كل مجاوزة وافراط على المقدار الذي هو حد الشئ بغى وقال شيخنا قالوا ان بغى من المشترك وتفرقته بالمصادر بغى الشئ إذا طلبه وأحبه بغية وبغية وبغى إذا ظلم بغيا بالفتح وهو الوارد في القرآن وبغت الامة زنت بغاء بالكسر والمد كما في القرآن وجعل المصنف البغاء من باغت غير موافق عليه انتهى * قلت في سياقه قصور من جهات الاولى ان بغى بمعنى طلب مصدره البغاء بالضم والمد على الفصيح