أرادَ أَإن ذكَّرَتْكَ نزول جُمْلٍ إيّاها الرفعُ في قولِه مَنْزَلُها صحيحٌ وأنّثَ النزولَ حين أضافَه إلى مُؤنَّثٍ قال ابنُ بَرِّي : تقديرُه أَإِنْ ذكَّرَتْكَ الدارُ نُزولَها جُمْلُ فجُمْل : فاعِلٌ بالنُّزول والنُّزول : مَفْعُولٌ ثانٍ بذَكَّرَتْكَ . وأنشدَ الجَوْهَرِيّ هذا البيتَ وقال : نَصَبَ المَنزَلَ لأنّه مصدرٌ : حَلَّ قال شيخُنا : أَطْلَق المُصَنِّف في هذه المادّةِ وفيها فُروقٌ منها : أنّ الراغبَ قال : ما وَصَلَ من الملأِ الأعلى بلا واسطةٍ تَعْدِيَتُه بعلى المُختَصِّ بالعُلوِّ أَوْلَى وما لم يكن كذلك تَعْدِيَتُه بإلى المُختَصّ بالاتِّصالِ أَوْلَى وَنَقَله الشِّهابُ في العِنايةِ وَبَسَطه في أثناءِ آلِ عِمْران . ونزَّلَه تَنْزِيلاً وأَنْزَلَه إنْزالاً ومُنْزَلاً كمُجْمَلٍ واسْتَنزلَه بمعنىً واحدٍ قال سيبويه : وكان أبو عمروٍ يَفْرُق بين نزَّلْتُ وأَنْزَلْتُ ولم يَذْكُرْ وجهَ الفرقِ قال أبو الحسَن : لا فَرْقَ عندي بينهما إلاّ صيغةُ التكثيرِ في نزَّلْتُ في قراءةِ ابنِ مَسْعُودٍ : " وَأَنْزَلَ الملائكةَ تَنْزِيلاً " أَنْزَل كنَزَّلَ قال شيخُنا : وَفَرَق جماعةٌ من أربابِ التحقيق فقالوا : التَّنْزيل : تَدْرِيجيٌّ والإنْزالُ دَفْعِيٌّ كما في أكثرِ الحَواشي الكَشّافِيّةِ والبَيْضاوِيّة ولما وَرَدَ استعمالُ التَّنْزيلِ في الدَّفعيِّ زَعَمَ أقوامٌ أنّ التفْرِقةَ أكثريّةٌ وأنّ التَّنْزيلَ يكونُ في الدَّفْعيِّ أيضاً وهو مبسوطٌ في مواضعَ من عنايَةِ القاضي انتهى . وقال المُصَنِّف في البصائر : تَبَعَاً للراغب وغيرِه : الفرقُ بين الإنْزالِ والتَّنْزيلِ في وَصْفِ القرآنِ والملائكةِ أنّ التَّنْزيلَ يَخْتَصُّ بالمَوضعِ الذي يُشيرُ إلى إنْزالِه مُتَفرِّقاً مُنَجَّماً ومرّةً بعد أُخرى والإنْزالُ عامٌّ وقَوْله تَعالى : " لولا نُزِّلَتْ سورةٌ " وقَوْله تَعالى : " فإذا أُنْزِلَتْ سورةٌ مُحكَمَةٌ " فإنّما ذَكَرَ في الأوّلِ نُزِّلَ وفي الثاني أُنْزِلَ تَنْبِيهاً أنّ المُنافِقينَ يقترحونَ أن يُنَزَّلَ شيءٌ فشيءٌ من الحَثِّ على القتالِ ليَتَوَلَّوْه وإذا أُمِروا بذلك دَفْعَةً واحدةً تَحاشَوْا عنه فلم يفعلوه فهم يقترِحونَ الكثير ولا يَفُونَ منه بالقليل وقَوْله تَعالى : " إنّا أَنْزَلْناه في ليلةِ القَدْرِ " إنّما خُصَّ لَفْظُ الإنْزالِ دونَ التَّنْزيلِ لما رُوِيَ أنّ القرآنَ أُنْزِلَ دَفْعَةً واحدةً إلى السماءِ الدنيا ثمّ نُزِّلَ مُنَجَّماً بحسَبِ المَصالِح . ثمّ إنّ إنْزالَ الشيءِ قد يكونُ بنَفسِه كقَوْله تَعالى : " وَأَنْزلْنا من السماءِ ماءً " وقد يكونُ بإنْزالِ أسبابِه والهِدايةِ إليه ومنه قَوْله تَعالى : " وَأَنْزَلْنا الحديدَ فيه بأسٌ شديدٌ " وقَوْله تَعالى : " يا بَني آدَمَ قد أَنْزَلْنا عليكم لِباساً يُواري سَوْآَتِكُم " وشاهِدُ الاسْتِنْزالِ قولُه : " واسْتَنْزَلوهُم من صَياصيهم " ثمّ الذي في المُحْكَم أنّ نزَّلَه وأَنْزَله وَتَنَزَّلَه بمعنىً واحدٍ والمُصَنِّف لم يذكرْ تنَزَّلَه وذكر عِوَضَه اسْتَنْزَلَه فتأمَّلْ . وَتَنَزَّلَ : نَزَلَ في مُهلةٍ وكأنّه رامَ به الفَرقَ بينه وبين أَنْزَلَ فهو مِثلُ نَزَلَ ومنه قَوْله تَعالى : " تنَزَّلُ الملائكةُ والرُّوح " وقَوْله تَعالى : " وما نَتَنَزَّلُ إلاّ بأمرِ ربِّكَ " وقال الشاعر : .
" تنَزَّلَ من جوِّ السماءِ يَصُوبُ