فُرِض وقُدِّر أَنه لم يَبْق بِتِهامَةَ من أَولادِ إِسْمَاعِيل أَحَدٌ وهَذَا لاَ قَائِل به . وقوله : ثم لَمَّا نَزَلَت العربُ ليتَ شِعْري أَيّ العَرَب يَعْنِي ؟ أَمِن العَرَب العَارِبَة فإِنهم انْقَرَضُوا بِهَا ولم يُفَارِقُوها أَو من المُسْتَعْرِبَة وَهُم أَولادُ إِسْمَاعِيل واخْتَصَّ مِنْهم قُرَيش فَصَارَ القَوْلاَنِ قَوْلاً وَاحِداً . ثم الجَوَاب عما أَورده . أَمَّا عن الأَوَّل فَلِمَ لا يَكُون هَذَا من جُمْلَة الأَفْرَاد التي ذكرها كمَذْحِج وغَيْرِه ومنْهَا نَاعِط وشَبَام قَبِيلَتَان من حِمْير ؛ سُمِّيتَا باسْمِ جَبَلَيْن نَزَلاَهُمَا وكَذَلك بنو شُكْر بالَّم سُمُّوا باسْمِ المَوْضع وفي مُعْجَمِ البَكْرِيّ : سُمي جُدَّة بن جرم بن رَبّان بن حُلْوان بْنِ الحَافِ ابن قُضَاعَة بالموضع المعروف من مكة لولادته بِهَا وهذا قد نَقَلَه شيخُنَا في شَرْحِ الكِتَاب في ج د د كما سيأْتي . وفي معجم ياقوت : مَلَكَانُ بْنُ عَدِيّ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ أُدٍّ ؛ سُمِّي باسْم الوَادِي وهو مَلِك من أَوْدِيَة مَكَّة لوِلاَدَتِهِ فيه . وقرأْت في إتحافِ البَشَر للنَّاشِريّ ما نَصُّه : فَرَسَانُ مُحَرَّكَة : جَبَلٌ بالشَّام سُمِّيَ به عِمْرَانُ بنُ عَمْرِو ابْنِ تَغْلِب لاجتيازه فيه وبه يُعْرَف ولدُه . ورأَيْت في تاريخ ابن خِلِّكَان مَا نَصّه : كاتم والتُّكرور : جِنْسَانِ من الأُمم سُمِّيا باسْم أَرْضِهِما ومثلُه كَثِير يعرفه المُمَارِس في هَذَا الفن . وعند التأَمل فيما ذكرنا يَنْحَلُّ الإِيرادُ الثَّانِي أَيضاً . وأَما عن الثَّالِث فنقول : ما المرَادُ بالعَرَب الذينَ تَذْكرُهم ؟ أَهُمُ القَبَائِلُ الموجودةُ بالكثرة التي تَفَرَّعت قريباً أَم هُمْ أَولادُ إِرَم بْنِ سَام البطونُ المُتَقَدَّمَة بعد الطُّوفَان ؟ فإِن كان الأَوّل فإِنهم ما نَزَلُوا عَرَبَة ولا سَكَنُوها وإِن كَان الثَّانِي فلا رَيْبَ أَنَّ التوراة والإنْجِيلَ وغَيرهما من الكُتُب مَا نَزَلَت إِلاَّ بَعْدَهم بِكَثِير وكَان مَعَدُّ بْنُ عَدْنَان في زَمَن سَيِّدِنا مُوسَى عليه السلام كما يَعْرِفُه مَنْ مارس عِلْمَ التَّوَارِيخ والأَنْسَاب . وأَمَّا ما وَرَد في حَدِيثِ المَوْلد من إِطْلاَق لَفْظِ العَرَب قَبْلَ خَلْق السموات والأَرْض فهو إِخْبَار غَيْبِيٌّ بما سَيَكُون فهو كَغَيْره مِن المُغَيَّبَات . وأَمَّا عن الرَّابع فإِنه إِذا كَان بعضُ الأَسْماءِ مُرْتَجَلَةً وبَعضُهَا مَنْقولَةً لاَ يُقَال فيها : لمَ لم تَكُن مُرْتَجَلات كُلُّها أَو مَنْقُولاَتٍ كُلّهَا حَتَّى يلزم ما ذكر لاختلافِ الأَسْبَاب والأَزمنة . وأَما عَن الخَامِس فنقول : أَليسَ التعريبُ في الكلام هو النَّقْلَ من لِسَان إِلى لسَان . فالمُعرَّب والمعرَّب مِنْه هو المَنْقُول والمَنْقُولُ مِنْه . وهذا لفْظ العرَبُون في هذه المادة سيأْتي عن قريب وهو عَجَمِيّ . كيف تَصَرَّفُوا فيه مِن ثَلاَثَةِ أَبْوَابٍ أَعْرَبَ وعَرَّب وعَرْبَن واشتَقُّوا منها أَلفَاظاً أُخَر غير ذلك كما سيأْتِي فيُجْعَل هذَا مِنْ ذَاك . وهذَا لَفْظُ العَجَم تصرفوا فِيهِ كما تَصَرَّفوا في لفظ العَرَب . وأَما عَنِ السَّادِس فأَنْ يُقَال : إِن كان المُرَادُ بَعَرَبَة الَّتي نُسِبَت العرَب إِليهَا هِي جزِيرة العرَب عَلَى ما في المَرَاصِد وغيره وبِالعَرَب هم أُصُولُ القَبَائِل فلا إِشكالَ إِذْ هم لم يَخْرُجُوا مِنَ الجَزِيرَةِ والذي خَرَجَ من عَمَائِرهم إِنَّمَا خَرَج في العَهْد القَرِيب وهم قَلِيل وغَالِبُهم في مواطنهم فيها وأَمَّا الشُّعوبُ والقَبَائِلُ التي تَفَرَّعَتْ فِيمَا بَعْد فهم خَارِجون عن البَحْثِ وكذلك إِن كان المرادُ بها مَكَّة وسَاحَاتِهَا فإِنّ طسمَ وجَدِيسَ وعِمْلِيقَ وجُرْهُمَ سَكَنُوا الحَرَم وَهُم العَرَبُ العَارِبَة ومنهم تَعَلَّم سيدُنا إِسماعِيل عليه السلام اللسانَ العَرَبِيَّ . وعادٌ وثمودُ وأُميم وعَبيل وَوَبار وهم العرب العاربة نزلوا الأَحقَافَ ومَا جَاورَها وهي تِهَامَةُ على قَوْل من فَسَّر عربَة بتِهَامَة فَهؤلاء أُصُولُ قَبَائِلِ العرَبِ العَارِبَةِ التي أخذَت المُسْتَعْرِبَةُ مِنْهم اللِّسَانَ قَد نَزَلُوا ساحَاتِ الحَرَم ومنهم تَفَرَّعَت القَبائلُ