من جِهَاتٍ ظَاهِرَة ككَوْنِ أَصْلِ المَنْقُول عَنْه عَرَبَةً بالهَاءِ ولا يُقَال ذلِكَ في المَنْقُولِ وكَكَوْنِهِم تَصَرَّفُوا فيه بِلُغَات لا تُعْرَف ولا تُسْمَع في المَنْقُولِ عنه فقَالُوا عَرَبٌ مُحَرَّكَة وعُرْب بالضَّم وعُرُبٌ بضَمَّتَيْن وأَعْرَابٌ وأَعْرَابِيٌّ وغَيْرُ ذلك . والسَّادِسُ أَنَّ العَرَب أَنْوَاعٌ وأَجْنَاسٌ وشُعُوبٌ وَقَبَائِلُ مُتَفَرّقُونَ في الأَرْضِ لاَ يَكَادُ يَأْتِي عليهم الحَصْرُ ولا يُتَصَوَّر سُكْنَاهم كُلِّهم في هَذِه القَرْيَة أَو حُلُولُهم فِيهَا فكَانَ الأَوْلَى أَن يُقْتَصَرَ بالتَّسْمِية على مَنْ سَكَنَها دُونَ غَيْرِه . ثم أَجَابَ بِمَا حَاصِلُه : أَنَّ إِطْلاَقَ العَرَب عَلَى الجِيلِ المَعْرُوف لا إِشْكَالَ أَنَّه قَدِيم كغيره من أَسْمَاءِ بَاقِي أَجْنَاسِ الناس وأَنْوَاعهم وَهُو اسْمٌ شَامِل لجَمِيع القَبَائِل والشُّعُوبِ ثم إِنَّهم لَمَّا تَفَرَّقُوا في الأَرَضِين وتَنَوَّعت لَهُم أَلقابٌ وأَسماءٌ خَاصَّة باخْتِلاف ما عرضت من الآباءِ والأُمهات والحالات التي اخْتَصَّت بِهَا كقُرَيْشٍ مَثَلاً وثَقِيفٍ ورَبِيعَةَ ومُضَر وكِنَانة ونِزَار وخُزَاعةً وقُضَاعَة وفَزَارة ولِحْيَان وشَيْبَان وهَمْدان وغَسَّان وغَطَفَان وسَلْمَان وتَمِيم وكَلْب ونُمير وإِيَاد وَوَدَّاعة وبَجِيلَة وأَسْلَم ويَسْلَم وهُذَيْل ومُزَيْنَة وجُهَيْنة وعَامِلَة وبَاهِلَة وخَثْعَم وطّيِّئ والأَزْد وتَغْلِب وقَيْس ومَذْحِج وأَسد وعَنْبس وعَنْس وَعَنَزَة ونَهْد وبَكْر وذُؤَيْب وذُبْيَان وكِنْدَة ولَخْم وجُذَام وضَبَّة وضِنَّة وسَدُوس والسَّكون وَتَيْم وأَحْمَسَ وغَيْرِ ذلك فأَوْجَب ذلِك تمييز كُلِّ قَبِيلَة باسْمِهَا الخَاصّ وَتَنَوسِيَ الاسْمُ الّذِي هو العَرَب ولم يَبْقَ له تَدَاوُلٌ بينهم ولا تَعَارُفٌ واستَغْنَت كُلُّ قَبِيلَة باسْمِهَا الخَاصّ مع تَفَرُّق في القَبَائل وَتَبَاعُد الشُّعُوب في الأَرْضِينَ . ثم لَمَّا نَزَلَت العَرَبُ بِهذِه القَرْيَة في قَوْل أَو قُرَيْشٌ بالخُصُوس في قَوْل المُصَنّف رَاجَعُوا الاسْمَ القَدِيم وتَذَاكَروه وتَسَمَّوْا بِه رُجُوعاً للأَصْل فَمَنْ عَلَّل التَّسْمِيَة لما نَقَلَه البَكْرِيُّ وَغَيْرُه نَظَر إِلَى الوَضعْ الأَوّل المُوَافِق للنَّظَرِ من أَسمَاءِ أَجْنَاسِ النَّاسِ . ومَنْ عَلَّل بِمَا ذَكَرَه المُصَنِّف وغيرُه مِنْ نُزُول عَربَة نَظَرَ إِلى ما أَشَرْنَا إِليه . وبَدُلُّ على أَنّه رُجُوعٌ للأَصْل وتَذَكُّرٌ بَعْدَ النِّسْيَان أَنَّهُم جَرَّدُوهُ من الهَاءِ المَوْجُودَةِ في اسم القَرْيَة وذَكّرُوه على أَصْلِه المَوْضُوعِ القَدِيم . هَذَا نَصٌّ جَوَابه . وقد عَرَضَه على شَيْخَيْهِ سَيِّدِنا الإِمام مُحَمَّدِ بْنِ الشَّاذِلِيِّ وَسَيِّدِنَا الإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ المسنَّاوِيّ تَغَمَّدَهُما الله تعالى بغُفْرَانِه فارْتَضَيَاه وسَلَّما له بالقَبُول وأَجْرَياه مُجْرَى الرَّأْي المَقْبُول وأَيَّدَه الثَّانِي بقَوْله : إِنَّه ينظُر إِلى ما اسْتَنْبَطُوه في الجَوَاب عن بَعْضِ الأَدلَّة التي تَتَعَارض أَحْيَاناً فتَتَخَرَّج على النّسبِيَّات والحَقِيقِيَّات وذكر شيخُنُا بعد ذلك أَوَّلِيَّةَ بناءِ المَسْجِد الحَرَام والمَسْجِد الأَقْصَى لإِبْرَاهِيمَ وسليمان عَلَيْهِمَا السَّلاَم مع المَلاَئِكَةِ . والثَّاني من بِنَاءِ آدَم عَلَيْه السَلاَم فَقَالُوا تُنُوسِي بِنَاءُ هؤُلاءِ بمُرُور الأَزْمَان وتَقَادُم العَهْد فَصَار مَنْسُوباً لسَيِّدِنا إِبْرَاهِيم وَسَيِّدِنا سُلَيْمَان فَهُوَ الأَوْلَى بهذَا الاعْتِبَار إِلَى آخِرِ ما ذكر . قلت : وقد يُقَالُ إِنَّ رَبِيعَةَ ومُضَرَ وكِنَانَة ونِزَاراً وخُزَاعَة وقَيْساً وضَبَّة وغَيْرَهم مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيل عَلَيْه السَّلام مِمّن ذكر آنِفاً . ولم يَذْكُر من العَرب المستَعْربة وهم سكان هذه الجزيرة ومجاورو سَاحَاتِ مَكَّةَ وأَوْدِيَتِها وقد تَوَارَثُوها من العَرَب العَارِبة المُتَقَدِّم ذِكْرُهم وإِن تَشَتَّت منهم في غَيْرها فَقَلِيل من كَثِير كيف تُنُوسِيّ بَيْنَهم هذَا الاسْم ثم تُذُوكِرُوا به فِيمَا بَعْد وهَذَا لا يَكُون إِلا إِذَا