أي : أَحاطَ عِلْمِي بها أَنَّها كذلك قالَ : والقَوْلُ في تفسيرِ أَدْرَك وادّارَكَ ما قالَ السُّدّيّ وذَهَبَ إِليه أَبو مُعاذٍ النَّحْوِيُّ وأَبُو سَعِيدٍ والذي قاله الفَرّاءُ في مَعْنَى تَدارَكَ أي : تتابَعَ عِلْمُهم في الآخرة أَنَّها تكونُ أَو لا تَكونُ ليسَ بالبَينِّ إِنَّما المَعْنَى أَنه تَتابَعَ علمُهم في الآخِرَةِ وتواطَأَ حينَ حَقَّت القِيامَةُ وخَسِرُوا وبانَ لهم صِدْقُ ما وُعِدُوا حِينَ لا يَنْفَعُهم ذلك العِلْمُ ثُم قالَ جلَّ وعَز : " بَلْ هم اليومَ في شك من عِلْم الآخِرةِ بَلْ هم مِنْها عَمُونَ " أي : جاهِلُونَ والشّكّ في أَمرِ الآخِرَةِ كُفْرٌ . وقال شَمِرٌ : هذه الكلمةُ فيها أَشْياءُ ؛ وذلك أَنّا وَجَدْنَا الفعلَ اللاَّزِمَ والمُتَعَدِّيَ فيها - في أَفْعَلَ وتَفاعلَ وافْتَعَل - واحِداً وذلك أَنّكَ تقولُ : أَدْرَكَ الشيء وأَدْرَكْتُه وتَدَارَكَ القومُ وادّارَكُوا وأَدْرَكُوا : إِذا أَدْرَكَ بعضُهم بَعضَاً ويُقالُ : تَدارَكْتُه وادّارَكْتُه وأَدْرَكْتُه وأَنْشَدَ لزُهَير : .
تَدارَكْتُما عَبساً وذُبْيانَ بَعْدَما ... تَفانَوْا ودَقُّوا بَينَهُم عِطْرَ مَنْشِمِ وقال ذُو الرُمَة : .
خُزَامَى اللِّوَى هَبَّت له الرِّيحُ بَعْدَما ... عَلا نَوْرَها مَجّ الثرى المُتَدارِكِ فهذا لازِمٌ وقال الطِّرِمّاحُ : .
" فلَمّا ادَّرَكْناهُنّ أَبْدَيْنَ للهَوَى وهذا مُتَعدِّ وقال اللّهُ تعالى في اللاَّزِمِ : " بَلِ ادّرَاكَ عِلْمُهُم " قال شَمِرٌ : وسَمِعْتُ عبدَ الصَّمَدِ يُحَدِّث عن الثَّوْرِيِّ في قولِه تَعالَى هذا قالَ مُجاهِدٌ : أَم تَواطَأ عِلْمُهُم في الآخِرَةِ قال الأزهري : وهذا يُوافِقُ قولَ السُّدِّيِّ ؛ لأَنّ معنَى تَواطَأَ تحَقَّقَ واتَّفَقَ حينَ لا يَنْفَعُهم لا على أَنه تَواطَأَ بالحَدْسِ كما ظَنَّه الفَرّاءُ قالَ : وأَمّا ما رُوِىَ عن ابنِ عَبّاسٍ أَنّه قال بَلْ آدْرَكَ عِلْمهُم في الآخِرَةِ فإِنّه - إِنْ صَحَّ - اسْتِفْهامٌ فيه رَدٌّ وتَهَكّمٌ ومَعْناه لم يُدْرِكْ علمُهم في الآخِرَةِ ونحو ذلك رَوَى شُعْبَةُ عن أبي حَمْزَةَ عن ابنِ عَبّاس في تَفْسِيره ومثلُه قولُه تَعالَى : " أَمْ له البَناتُ ولَكمُ البَنُونَ " معنى أم : أَلِفُ الاسْتِفْهامِ وكأنه قال : ألَه البَناتُ ولكُم البَنُونَ اللّفْظُ لفظُ الاسْتِفْهامِ ومعناه الرّدُّ والتّكْذِيبُ لهم . والدَّرَكُ يُحَرَّكُ ويُسَكَّنُ هكذا هو في الصِّحاحِ والعبابِ ولا قَلَقَ في العِبَارَةِ كما قاله شيخُنا والضبطُ عندَه وِإن كان راجِعاً لأَوّلِ الكلمةِ فإِنّه لما عَدَا التّسكِين فإِنّه في الأَوّلِ لا يُتَصَوَّرُ بل هو على كلِّ حالٍ راجعٌ للوَسَطِ ومثلُ هذا لا يُحتاجُ التّنْبِيهُ عليه . بقِيَ أَنّه لو قال : والدَّرْكُ ويُحَرَّكُ على مُقْتَضَى اصْطِلاحِه فإِنّه أَرْجَحِيةُ التّحْرِيكِ كما نَصّوا عليه فتأَمّلْ : التَّبِعَةُ يُقالُ : ما لَحِقَكَ مِن دَرَك فعَلَيَ خَلاصُه يُروَى بالوَجْهَيْنِ وفي الأَساس : ما أَدْرَكَه من دَرَكٍ فعَلَيَ خَلاصُه وهو اللَّحَقُ من التَّبِعَةِ أي ما يلْحَقُه منها وشاهِدُ التّحْرِيكِ قولُ رُؤْبَةَ : .
" ما بَعْدَنا مِنْ طَلَبٍ ولا دَرَكْ ومنه ضمانُ الدَّرَكِ في عُهْدَةِ البَيعِ