قالَ أَبو زَيْدٍ : " أَمْرُهُمْ فَيْضِيضَى بَيْنَهُم وفَيْضُوضَى ويُمَدَّانِ وفَيُوضَى بالفَتْحِ أَيْ فَوْضَى " وذلِكَ إِذَا كَانُوا مُخْتَلِطِينَ يَلْبَسُ هذَا ثَوْبَ هذَا ويَأْكُلُ هذَا طَعَامَ هذَا لا يُؤَامِرُ أَحَدٌ مِنْهُمُ صاحِبَه فِيمَا يَفْعَلُ من أَمْرِه . وذَكَرَ اللِّحْيَانِيّ أَيْضاً مِثلَ قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ . " وأَرْضٌ ذَاتُ فُيُوضٍ " أَيْ " فِيها مِيَاهٌ تَفِيضُ " أَي تَسِيلُ حَتَّى تَعْلُوَ . " وأَفَاضَ الماءَ على نَفْسِهِ : أَفْرَغَهُ " . نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ . أَفَاضَ " الناسُ مِنْ عَرَفَاتٍ " إِلَى مِنىً أَيْ " دفَعُوا " . كما في الصّحاح وقِيلَ : بكَثْرَةٍ " أَوْ رَجَعُوا وتَفَرَّقُوا أَو أَسْرَعُوا مِنْهَا إِلَى مَكَانٍ آخَرَ " . الأَخِيرُ مَأْخُوذٌ من قَوْلِ ابنِ عَرَفَةَ . وبكُلِّ ذلِكَ فُسِّر قَوْلُه تَعَالَى : " فإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرفاتٍ " قال أَبُو إِسْحَاقَ : دَلَّ بهذَا اللَّفْظِ أَن الوُقُوفَ بِهَا وَاجِبٌ ؛ لأَنَّ الإِفَاضَةَ لا تَكُونُ إِلا بَعْدَ وُقُوفٍ . وَمَعْنَى أَفَضْتُمْ : دَفَعْتُمْ بكَثرَةٍ . وقال خالِدُ ابنُ جَنْبَةَ : " الإِفَاضَةُ : سُرْعَةُ الرَّكْضِ . وأَفَاضَ الرَّاكِبُ إِذا دَفَعَ بَعِيرَهُ سَيْراً بَيْنَ الجَهْدِ ودُونَ ذلِكَ قال : وذلِكَ نِصْفُ عَدْوِ الإِبِلِ عَلَيْهَا الرُّكْبَانُ ولا تَكُونُ الإِفَاضَةُ إِلاَّ وعَلَيْهَا الرُّكْبَانُ . وقال غَيْرُهُ : الإِفَاضَةُ : الزَّحْفُ والدَّفْعُ في السَّيْر بكثرةٍ ولا يَكُونُ إِلاَّ عن تَفرُّقٍ وجَمْعٍ . وأَصْلُ الإِفَاضَةِ : الصَّبُّ فاسْتُعِيرَتْ للدَّفْعِ في السَّيْرِ وأَصْلُهُ أَفاضَ نَفْسَهُ أَو رَاحِلتَهُ ولذلِكَ فَسًّرُوا أَفَاضَ بَدَفَعَ إِلاَّ أَنَّهُمْ رَفَضُوا ذِكْر المَفْعُولِ ولرَفْضِهِم إِيّاه أَشْبَهَ غَيْرَ المُتَعَدِّي ومنه طَوَافُ الإِفَاضَةِ يَوْمَ النَّحْرِ يُفِيضُ مِنْ مِنىً إِلى مَكَّةَ فيَطُوفُ ثُمَّ يَرْجِعُ . قال الجَوْهَرِيُّ : وكُلُّ دَفْعَةٍ إِفَاضَةٌ " . أَفَاضُوا " في الحَدِيثِ " : انْتَشَرُوا . وقال اللِّحْيَانِيّ : هُوَ إِذا " انْدَفَعُوا " فِيهِ وخَاضُوا وأَكْثَرُوا . وفي التَّنْزِيلِ العَزِيزِ : " إِذْ تُفِيضُون فِيهِ " أَي تَنْدَفِعُونَ فِيهِ وتَنْبَسِطُونَ في ذِكْره . " وحَدِيثُ مُفَاضٌ فِيهِ " ومنه قَوْلُهُ تَعَالَى أَيْضاً : " لمَسَّكُم فِيمَا أَفَضْتُمْ " أَفاضَ " الإِنَاءَ " : أَتْأَقَهُ . عن اللِّحْيَانيّ . قال ابنُ سِيدَه : وعِنْدِي أَنَّهُ إِذا " مَلأَهُ حَتَّى فَاضَ " وكَذلِك في الصّحاح والعُبَابِ . من المَجَازِ : أَفاضَ " القِدَاحَ و " أَفاضَ " بِهَا " وعَلَيْهَا : " ضَرَبَ بِهَا " . نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ وأَنْشَدَ قَوْلَ أَبِي ذُؤَيْبٍ يَصِفُ حِمَاراً وأُتُنَهُ : .
فكأَنَّهُنَّ رِبَابَةٌ وكَأَنَّهُ ... يَسَرٌ يَفِيضُ على القِدَاحِ ويَصْدَعُ قال : يَعْنِي : بالقِدَاحِ . وحُرُوفُ الجَرِّ يَنُوبُ بَعْضُها مَنَابَ بَعْضٍ . كَذَا في الصّحاح والعُبابِ . والَّذِي قَرَأْتُهُ في شَرْحِ الدِّيوَانِ : وكَأَنَّهُ يَسَرٌ : الَّذِي يَضْرِبُ بالقِدَاحِ وإِفَاضَته أَنْ يُرْسِلَهَا ويَدْفَعَها . ويَصْدَعُ : يُفَرِّقُ بالحُكْمِ أَيْ يُخِبِرُ بما يَجِيءُ به . ويُرْوَى : يَخُوضُ على القِدَاحِ . أَرادَ يَخُوضُ بالقِدَاحِ فلَمْ يَسْتَقِمْ فأَدْخَلَ " عَلَى " مَكَانَ البَاءِ . فتَأَمَّلْ . وقال الأَزْهَرِيُّ : كُلُّ ما كانَ في اللُّغَةِ من بابِ الإِفَاضَةِ فلَيْس يَكُونُ إِلاَّ عن تَفَرُّقٍ وكَثْرَةٍ . وفي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَخْرَجَ اللهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ ظَهْرِهِ فأَفَاضَهم إِفَاضَةَ القِدْحِ " هي الصَّرْبُ بِهِ وإِجالَتُه عِنْدَ القِمَارِ . والقِدْحُ : السَّهْمُ وَاحِدُ القِدَاحِ الَّتِي كَانُوا يُقَامِرُون بِهَا . ومنه حَدِيثُ اللَّقَطَةِ " ثُمَّ أَفِضْهَا في مَالِكَ أَيْ أَلْقِهَا فيه واخْلِطْهَا بِهِ . أَفَاضَ " البَعِيرُ : دَفَعَ جِرَّتَهُ مِنْ كِرْشِهِ " فأخْرجَهَا . نَقَلَه الجوْهَرِيُّ . قال : ومنه قَوْلُ الشَّاعِرِ قُلْتُ : وهو قَوْلُ الرَّاعِي : .
وأَفَضْنَ بَعْدَ كُظُومِهِنَّ بجِرَّةٍ ... مِنْ ذِي الأَبارِقِ إِذْ رَعَيْن حَقِيلاَ