وكَفاكَ بواحدٍ منهم حُجَّةً للمُصَنّف فِيما رَوَى ونَقَل . والمَجْدُ لمَّا سَمَّى كتابه البَحْر المُحِيط تَرَك فيه بَيَانَ المآخِذِ وذِكْر العِلَلِ والقُيُودات الَّتي بها يَحْصُل التَّمْيِيزُ بين الحَقِيقَتَيْن وكذا بَيْنَ الحَقِيقَةِ والمَجَازِ لِيَتِمَّ له إِحاطَةُ البَحْرِ فهو يُورِدُ كَلامَهم مُخْتَصَراً مُلْغزاً مَجْمُوعاً مُوجَزاً اعْتِمَاداً على حُسْنِ فَهْمِ المُتَبَصِّرِ الحاذِقِ المُمَيِّزِ بين الحقيقة والمَجَازِ وبَيْنَ الحقائقِ ومُرَاعَاةً لسُلُوك سبِيلِ الاخْتِصَار الذي راعاه واسْتِغراقِ الأَفْرَاد الّذِي ادَّعَاه . وقوله : وهي دَقِيقَة مهمّة تَفْطَّنَ لها صاحِبُ الصحاح وغَفَلَ عنها صاحبُ القاموسِ قلتُ : لم يَغْفَلْ صاحِبُ القامُوسِ عن هذه الدَّقِيقَة فإِنّه ذَكَرَ في كتابه بَصائر ذَوِي التَّمْيِيز في لَطَائِف كتابِ الله العَزِيز مُشِيراً إِلى ذلك بقَوْلِه ما نَصُّه : التَّعْزِيرُ : من الأَضداد يكونُ بمَعنَى التَّعْظِيم وبمَعْنَى الإِذْلال يقال : زمانُنا العَبْدُ فيه مُعزَّرٌ مُوَقَّر والحُرّ فيه مُعزَّرٌ مُوَقَّر الأَوّلُ بمعنَى المنْصُورِ المُعَظَّم والثانِي بمَعْنَى المضْرُوبِ المُهَزَّم . والتَّعْزِيرُ دُونَ الحَدّ وذلك يَرْجِع إِلى الأَوَّلِ لأَنّ ذلك تَأْدِيبٌ والتَأْدِيب نُصْرَةٌ بقهْر ما . انتهى . فالظَّاهِرُ أَنّ الذِي ذَكَرَهُ الشيخُ ابنُ حَجَر إِنَّمَا هو تَحامُلٌ مَحْضٌ على أَئمةِ اللُّغَة عُمُوماً وعلى المَجْدِ خُصوصاً لتَكْرارِه في نِسْبتهم للجَهْل في مَواضِعَ كثيرة من كتابه : التُّحْفَة على ما مَرَّ ذِكْرُ بَعْضِها . وشَيْخُنا C تعالى لمَّا رَأَى سبيلاً للإِنكار على المَجْدِ كما هو شِنْشِنَتُه المَأْلُوفَةُ سَكَتَ عنه ولم يُبْدِ له الانْتِصَارَ ولا أَدْلَى دَلْوَه في الخَوْضِ كأَنَّه مُرَاعَاةً للاختصار . واللهُ يَعْفُو عن الجَمِيع ويَتَغَمَّدُهم برَحْمتِه إِنّه حَلِيمٌ سَتّار . والتَّعْزيرُ أَيْضاً : التَّفْخِيم والتَّعْظِيمُ فهو ضِدّ صَرَّحَ به الإِمامُ أَبو الطَّيِّب في كتاب الأَضداد وغَيْرُه من الأَئمة . وقيل : بين التَأْدِيب والتَفْخِيم شِبْهُ ضِدّ . والتَّعْزِيرُ : الإِعَانَة كالعَزْرِ يقال : عَزَرَه عَزْراً وعَزَّرَه تَعْزِيراً أَي أَعانَه . والتَّعْزِيرُ : التَّقْوِيَةُ كالعَزْرِ أَيضاً . يقال : عَزَرَه وعَزَّرَه إِذا قَوّاهُ . والتَّعْزِير : النَّصْرُ بالسيف كالعَزْرِ أَيضاً يقال : عزَرَهُ وعَزَّرَه إِذَا نَصَرَهُ قال الله تَعَالَى : وتُعَزِّرُوهُ جاءَ في التَّفْسِير : أَي لِتَنْصُرُوه بالسَيْف : وعَزَّرُْتُموهُم عَظَّمْتُموهُم . قال إِبراهيمُ بن السَّرىّ : وهذا هو الحقُّ والله أَعلم وذلك لأَنْ العَزْر في اللُّغَة الرَّدُّ والمَنْعُ وتأْويل : عَزَرْتُ فُلاناً أَي أَدَّبْتُه إِنّما تأْويلُه فَعلْتُ به ما يَرْدعُهُ عن القَبيح كما أَنّ نَكَّلْتُ به تَأْويلُه فَعلْتُ به ما يجبُ أَن يَنْكُلَ مَعَهُ عن المُعَاوَدَة فتَأْويلُ عَزَّرْتُمُوهُم : نَصرْتُموهم بأَنْ تَرُدُّوا عنهم أَعْداءَهم ولو كانَ التَّعْزيرُ هو التَّوْقيرَ لكان الأَجْوَدُ في اللّغة الاستغناءَ به . والنُّصْرَة إِذا وَجَبَتْ فالتَّعْظِيمُ داخلٌ فيها لأَن نُصْرَةَ الأَنبياءِ هي المُدَافَعَةُ عنهم والذَّبُّ عن دِينهم وتَعْظيمُهم وتَوْقيرُهم . والتَّعزيرُ في كلامِ العرَب : التَّوقير والنَّصْرُ باللّسان والسَّيْف وفي حديث المبْعَث قال وَرَقَةُ بنُ نَوْفَل : إِنْ بُعِث وأَنا حَيٌّ فسَأُعَزِّرُه وأَنْصُرُه التَّعزير هنا : الإِعانَةُ والتَّوْقِير والنَّصْر مَرَّةً بعد مَرَّة . والعَزْر عن الشيءِ كالضَّرْبِ : المنْعُ والرَّدُّ وهذا أَصْل مَعْناه . ومنه أُخِذ مَعْنَى النَّصْرِ لأَنّ مَنْ نَصَرْتَه فقد رَدَدْت عنه أَعْدَاءَه ومَنَعْتهم من أَذاه ؛ ولهذا قيل للتَأْدِيب الّذِي دُونَ الحدّ : تعْزِيرٌ لأَنّه يَمْنَعُ الجَانِيَ أَنْ يُعَاوِدَ الذَّنْبَ . وفي الأَبْنِيَةِ لابْنِ القطّاع : عَزَرْتُ الرَّجُلَ عَزْراً : مَنَعْتَه من الشيْءِ . والعَزْرُ : النِّكَاحُ يُقَال : عَزَرَ المَرْأَةَ عَزْراً إِذا نَكَحَها . والعَزْرُ : الإِجْبَارُ على الأَمْرِ