أَو هُوَ أَشَدُّ الضَّرْبِ . وعَزَّرَهُ : ضَرَبَه ذلك الضَّرْبَ هكذا في المُحْكَم لابْن سِيدَه . وقال الشَّيْخُ ابنُ حَجَر المَكّيُّ في التُّحْفَة على المِنْهَاج : التَّعْزِيرُ لُغَةً من أَسْمَاءِ الأَضْداد لأَنَّه يُطْلَقُ على التَّفْخِيمِ والتَّعْظِيمِ وعلى أَشدِّ الضَّرْبِ وعلى ضرْبٍ دُونَ الحَدِّ كذا في القاموس . والظَّاهِرُ أَنَّ هذا الأَخيرَ غَلطٌ لأَنَّ هذا وَضْعٌ شَرْعِيٌّ لا لُغَوِيٌّ لأَنّه لم يُعْرَفْ إِلاّ من جِهَة الشَّرْع فكَيْفَ يُنْسَبُ لأَهْلِ اللُّغَةِ الجاهِلينَ بذلِكَ من أَصْلِه : والذي في الصّحاح بَعْدَ تَفْسِيره بالضَّرْب : ومنهُ سُمِّىَ ضَرْبُ مادُونَ الحَدِّ تَعْزِيراً . فأَشَارَ إِلى أَنَّ هذه الحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ منقولَةٌ عن الحَقِيقَةِ اللُّغَوِيّة بزِيادةِ قَيْدٍ وهو كَوْنُ ذلك الضَّرْبِ دُونَ الحَدِّ الشَّرْعِيّ فهو كلَفْظِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ ونَحْوِهما المَنْقُولَة لوُجُودِ المَعْنَى اللُّغَوِيّ فيها بزِيَادَةِ . وهذه دَقِيقةٌ مُهِمَّة تَفَظَّن لها صاحبُ الصّحاح وغَفَل عنها صاحِبُ القاموس . وقد وَقعَ له نَظِيُر ذلك كَثِيراً . وكُلّه غَلَطٌ يَتَعَيَّن التَّفطُّنُ له . انتهى . وقال أَيضاً في التُّحْفَة في الفِطْرَة : مُولَّدةٌ وأَمّا ما وَقَعَ في القَاموسِ من أَنَّهَا عَرَبِيَّةٌ فغَيْرُ صَحيح ثمّ ساق عِبارَةً : وقال : فأَهْلُ اللُّغَة يَجْهَلونَه فكيف يُنْسَبُ إِليهم . ونظيرُ هذا مِنْ خَلْطِه الحَقَائقَ الشَّرْعِيّةَ بالحَقَائقِ اللُّغَوِيّةِ ما وَقَع لَهُ في تفسير التَّعْزِيرِ بأَنَّه ضَرْبٌ دُونَ الحَدِّ . وقد وَقَع له مِنْ هذا الخَلْطِ شئٌ كثيرٌ وكُلُّه غَلَطٌ يجب التَّنْبِيه عليه . وكذا وَقَعَ له في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ فإِنَّه خَلَط الحَقِيقةَ الشّرْعيّةَ باللُّغَوِيّةِ انتهى . قلتُ : وقد نَقَلَ الشِّهَابُ في شَرْح الشِّفاءِ العِبَارَة الأُولَى التي في التَّعْزير بِرُمَّتِهَا ونَقَلَه عنهُ شَيْخُنَا بنَصّ الحروف وزادَ الشِّهَابُ عند قوله : فكيف يُنْسَب الخ : قال شيخُنَا ابن قاسم : لا يُقَالُ : هذا لا يَأْتِي عَلَى أَنَّ الواضِعَ هو الله تَعَالَى لأَنَّا نَقولُ : هو تَعَالَى إِنّمَا وَضَعَ اللُّغَةَ باعْتِبَارِ تَعَارُفِ الناسِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عن الشَّرْعِ . انتهى . قال شيخُنَا : ثُمَّ رَأَيتُ ابنَ نُجَيْم نَقلَ كلام ابنِ حجَرٍ في شَرْحِهِ على الكَنْزِ المُسَمَّى بالنَّهْر الفَائق برُمَّتِه ثم قال : وأَقُولُ : ذَكَرَ كثيرٌ من العُلماءِ أَنّ صاحبَ القاموس كثيراً ما يَذْكُرُ المَعْنى الاصْطِلاحيّ مع اللغِويّ فلِذلك لا يُعْقد عليه في بيان اللغة الصِّرْفة . ثم ما ذكرهُ في الصّحاح أَيضاً لا يكون مَعنىً لُغَوِياً على ما أَفادَ صاحِبُ الكَشَّاف فإِنّه قال : العَزْرُ : المَنعُ ومنه التَّعْزِير لأَنه مَنْعٌ عَنْ مُعَاوَدَة القبِيح . فعَلى هذا يكون ضَرْباً دُونَ حَدٍّ مِنْ إِفرادِ المَعنَى الحَقِيقيّ فلا وُرُودَ على صاحِب القامُوس في هذه المادَّة . انتهى . قال شيخُنَا : قُلْتُ : وهذا من ضِيق العَطَنِ وعَدَم التمْيِيز بين المُطْلَقِ والمُقيَّدِ . فتأَمّل . قلتُ : والعَجَبُ منهم كيْفَ سَكَتُوا على قَوْلِ الشَّيْخ ابنِ حَجَر وهو : فكَيْفَ يُنْسَبُ لأَهْلِ اللُّغةِ الجاهلِينَ بذلك مِنْ أَصْله ؟ : فإِنّه إِنْ أَرادَ بأَهْلِ اللُّغَة الأَئمةَ الكِبَارَ كالخَلِيلِ والكِسَائيّ وثَعْلَب وأَبِي زَيْدٍ والشِّيْبَانِيّ وأَضْرابهم فلَمْ يَثْبُت ذلك عَنْهُم خَلْطُ الحَقَائق أَصْلاً كما هو مَعْلُومٌ عند من طالَع كتاب العَيْن والنوادِر والفَصِيح وشُرُوحَه وغَيْرَها . وإِنْ أَرادَ بهم مَنْ بَعْدَهُم كالجَوْهرِيّ والفارَابِيّ والأَزْهَريّ وابن سِيدَه والصّاغانِيّ فإِنّهُم ذَكَرُوا الحَقَائِقَ الشَّرْعيَّة المُحْتَاجَ إِلَيْهَا ومَيَّزُوها من الحَقَائقِ اللُّغَوِيّة إِمّا بإِيضاح كالجوهَرِيّ في الصحاح أَو بإِشارَة كبيَانِ العِلَّة التي تُمَيِّز بينهما وتارَةً بِبَيَان المَأْخَذِ والقَيْدِ كابنِ سِيدَه في المُحْكَم والمُخَصّص وابنِ جِنِّى في سِرِّ الصناعَةِ وابنِ رَشِيق في العُمْدَةِ والزَّمَخْشَرِيِّ في الكَشَّاف