شعرَ به كنصرَ وكَرمَ لغتانِ ثابتتانِ وأنكر بعضهم الثانية والصوابُ ثُبوتها ولكن الأولى هي الفصيحة ولذا اقتصرَ المُصنف في البصائرِ عليها حيث قال : وشَعرتُ بالشيءِ بالفتح أشْعُرُ به بالضمّ شِعْراً بالكسر وهو المعروف الأكثر وشَعراً بالفتح حكاه جماعةٌ وأغفله آخرون وضبطه بعضهم بالتحريك وشعرةً مثلثة الأعرفُ فيه الكسر والفتح ذكره المصنف في البصائر تبعاً للمُحكم وشِعري بالكسر كذكرى معروفة وشُعري بالضم كرُجعي قليلة وقد قيل بالفتح أيضاً فهي مثلثة كشعرةٍ وشُعُوراً بالضم كالقُعُود وهو كثير قال شيخنا : وادعى بعضٌ فيه القياس بناءً على أن الفعلَ والفُعُول قياسٌ في فعل متعدياً أو لازماً وإن كان الصواب أن الفعلَ في المتعدي كالضربِ والفعول في اللازم كالقُعُودِ والجُلُوسِ كما جزم به ابنُ مالكٍ وابنُ هشام وأبو حيان وابنُ عُصْفُورٍ وغيرهم وشُعُورةً بالهاءِ قيل : إنه مصدرُ شَعرَ بالضمّ كالسهولةِ من سَهل وقد أسقطه المصنفُ في البصائر ومَشْعُوراً كميسورٍ وهذه عن اللحياني ومشْعُوراءَ بالمد من شواذّ أبنيةِ المصادر . وحكى اللحيانيُّ عن الكسائيّ : ما شعرتُ بمَشْعُورةٍ حتى جاء فلانٌ . فيزادُ على نظائِرِه . فجميعُ ما ذكره المُصنف هُنا من المَصادرِ اثنا عشر مَصدراً ويزاد عليه شَعَراً بالتحريكِ وشعري بالفتح مَقصُوراً ومشعورة فيكون المجموعُ خمسةَ عشرَ مصدراً أوردَ الصاغاني منها المَشْعُور والمشْعُورةَ والشِّعْرى كالذكرى في لاتكملة : علمَ بهِ وفطنَ له وعلى هذا القدرِ في التفسير اقتصر الزمخشري في الأساس وتبعه المصنف في البصائر . والعِلمُ بالشيءِ والفطانةُ له من باب المترادف وإن فرق فيهما بعضهُم .
في اللسان : وشعرَ به أي بالفتح : عَقَلَه . وحكى اللحياني : شَعَرَ لكذا إذا فطنَ له وحكى عن الكسائي أشعرُ فُلاناً ما علمه وأشْعُرُ لفُلانٍ ما عمله وما شعرتُ فلاناً ما علمه قال : وهو كلامُ العربِ . منه قولهم : ليتَ شِعري فُلاناً ما صنعَ ؟ ليتَ شِعري له ما صنعَ ليتَ شِعري عنه ما صنعَ كل ذلك حكاه اللحياني عن الكسائي وأنشد : .
" ياليت شِعري عن حِماري ما صنعْ .
" وعن أبي زيدٍ وكمْ كانَ اضطجعْ وأنشد : .
" ياليتَ شِعري عنْكُمُ حَنيفا .
" وقد جدعناَ مِنكمُ الأنوفا وأنشد : .
ليتَ شِعري مُسافرَ بنَ أبي عَمْ ... رٍو وليتٌ يقولها المَحْزُونُ . أي ليت علمي أو ليتني عَلمتُ وليتَ شِعري من ذلك أي ليتني شَعرتُ وفي الحديث " ليتَ شِعريِ ما صنعَ فُلانٌ " أي ليتَ عِلمي حاضرٌ أو مُحيطٌ بما صنع فحذف الخبر وهو كثيرٌ في كلامهم . وقال سيبويهِ : قالوا : ليتَ شِعرتي فحذفوا التاءَ مع الإضافةِ للكثرةِ كما قالوا ذهبَ بعُذْرَتِها وهو أبو عُذْرِها فحذفوا التاءَ مع الأبِ خاصة هذا نصُّ سِيبويهِ على ما نقله صاحب اللسان وغيره وقد أنكرَ شخنا هذا على سيبويه وتوقف في حذفِ التاءِ منه لزُوماً وقال : لأنه لم يُسْمعْ يوماً من الدَّهْر شِعْرتي حتى تدَّعى أصالةُ التاء فيه . قلت : وهو بحْثٌ نفيسٌ إلا أنَّ سيبويه مُسلَّمٌ له إذا ادّعى أصالةَ التاء لوقوفه على مَشْهور كلامِ العرب وغريبه ونادره وأما عدمُ سماع شِعْرتي الآن وقبل ذلك فلهَجْرهم له وهذا ظاهرٌ فتأمَّلْ في نص عبارة سيبويه المُتقدِّم وقد خالف شيخُنا في النَّقل عنه أيضاً فإنه قال : صرَّحَ سيبويهِ وغيره بإنّ هذا أصلُه ليتَ شِعْرِتي بالهاء ثم حذفوا الهاءَ حذْفاً لازماً . انتهى . وكأنّهُ حاصِلُ معنى كلامه .
ثم قال شيخُنا : وزادُوا ثالثةً وهي الإقامةُ إذا أضافوها وجعلوا الثّلاثة من الأشْباه والنّظائر وقالوا : لا رابعَ لها ونظمها بعضهم في قوله : .
ثلاثةٌ تُحْذَفُ هاآتُها ... 'ذا أُضيفَتْ عند كُلّ الرُّواهْ .
قولُهُم : ذاكَ أبو عُذْرِها ... وليْتَ شِعْرِي وإقام الصَّلاهْ