قال شيخنا : وللنظرِ مَجالٌ في بعض الألفاظِ : هل هي جموعٌ لِعَبْدٍ أَو جموعٌ لبعضِ جموعِهِ كأَعابِدَ ومَعَابِدَ . ويُنْظَر في عَبيدونَ فإن الظاهرَ أَنه جَمعٌ لعَبِيد والعَبِيدُ جمع لِعَبْدٍ فيبقى النظر في جمْعِهِ جَمْعَ مذكرٍ سالماً فإن هذا غيرُ مَعْرُوفٍ في العربية جمع تكسيرٍ يُجْمَعُ جَمْعَ سلامةٍ والعَبْدُونَ كأنه اعتبر فيه معنى الوَصْفِيَّةِ التي هي الأَصْلُ فيه عِنْدَ سيبويه وغيره . والعَبْدِيَّةُ حكاه صاحب المُوعب عن الفَرّاءِ والعُبُودِيّةُ والعُبُودَةُ بضَمِّهِما والعِبَادَةُ بالكسر : الطاعةُ . وقال بعضُ أئمة الاشتقاقِ : أَصلُ العُبُودِيّةِ : الذُّلُّ والخُضُوعُ . وقال آخَرُونَ : العُبُودَةُ : الرِّضا بما يَفْعَلُ الرَّبُّ والعِبَادَةُ : فِعْلُ ما يَرْضَى به الرَّبُّ . والأَوّلُ أَقوى وأَشَقُّ فلذا قِيلَ : تَسْقُطُ العِبَادةُ في الآخِرَةِ لا العُبُودةُ لأن العُبودَةَ أن لا يرى مُتَصِرِّفاً في الدَّارَيْنِ في الحقيقةِ إلا الله . قال شيخنا : وهذا مَلْحَظٌ صُوفِيٌّ لا دَخْلَ للأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ فيه . وفي اللسان : ولا فِعْلَ له عند أَبي عُبَيْد . قلت : وهو الذي جَزَم به أَكثَرُ شُرّاحِ الفَصِيح . وحكَى اللحياني : عَبُد عُبُودَةً وعُبُودِيَّةً . قلت : وأَوضحُ منه قول ابن القطاع في كتاب الأَفعال فقالك عَبُد العَبْدُ عُبُودَةً وعُبُودِيَّةَ وأَما عَبَدَ الله فَمَصْدَرهُ : عِبَادَة وعُبُودة وعُبُودِيّة أَي أَطاعه . وفي اللسان : وعَبَد اللهَ يَعبُده عِبادَةً ومَعْبَداً : تَأَلَّه له . وقال الأَزهريُّ : اجتمعَ العامَّةُ على تَفْرِقَةِ ما بين عِبادِ اللهِ والممالِيكِ فقالوا : هذا عَبْدٌ من عِبادِ اللهِ وهؤلاء عَبِيدٌ مماليكُ . قالك ولا يُقال عَبَدَ يَعْبُدُ عِبادةً إلاَّ لمَن يَعْبُد اللهَ ومن عَبَدَ دُونَهُ إِلهاً فهو من الخاسِرِينَ قال : وأَما عَبْدٌ خَدَمَ مَوْلاهُ فلا يُقال عَبَدَهُ . قال الليث : ويقال للمُشْركينَ : هم عَبَدَةُ الطَّاغُوتِ ويقال للمُسْلِمين : عِبَادُ اللهِ يَعْبُدونَ اللهَ . وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ : " اعبُدُوا رَبَّكُمْ " أَي أَطيعوا رَبَّكُمْ . وقوله " إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاك نَسْتَعِينُ " أَي نُطِيعُ الطّاعَةَ التي يُخْضَع مَعَهَا قال ابنُ الأَثير : ومعنى العِبَادَةِ في اللُّغة : الطَّاعَةُ مَعَ الخُضُوع . وقوله تعالى : " قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ من ذلكَ مَثُوَبةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وغَضِبَ عليهِ وجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ والخَنَازِيرَ وعَبَدَ الطَّاغُوتَ " . قرأ أبو جَعْفرٍ وشَيْبةُ ونافعٌ وعاصِمٌ وأبو عمرو والكسائيُّ : " وعَبَدَ الطَّاغُوتَ " قال الفراءُ : وهو معطوفٌ على قوله : عَزَّ وجلَّ " وجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ والخَنَازِيرَ " ومنْ عَبَدَ الطَّاغُوتَ . وقال الزَّجَّاجُ : هو نَسقٌ على : " مَنْ لَعَنَهُ اللهُ " المعنى : مَن لَعَنَه اللهُ ومن عَبَدَ الطَّاغُوتَ مِنْ دونِ الله D أي أَطاعَهُ يعْنِي الشيطانَ فيما سَوَّلَ له وأَغْواه . قال الجوهريُّ : وقرأَ بعضهم : " وعَبُدَ الطَّاغُوتِ " وأَضافَهُ قال : والمعنى فيما يقال : خَدَمُ الطَّاغُوتِ . وقد تَقَدَّم فيه الكلامُ . وقال الليث . " وعَبُدَ الطاغُوتُ " معناه : صار الطَّاغُوتُ يُعْبَدُ كما يُقالُ : ظَرُف الرجُلُ وفَقُهَ . وقد غَلّطَه الأَزْهَرِيّ . وقرأَ ابنُ عَبَّاسٍ : " وعُبَّدَ الطاغوتِ " بضمّ العَيْنِ وتَشْدِيد المُوَحَّدَةِ جمعُ عابِدٍ كشَاهِدٍ وشُهَّد وقُرِئ : " وَعَبَدَ الطّاغوتِ " محركةً وخَفْض الطاغُوتِ وهو أَيضاً جمع عابِدٍ وأَصله : عَبَدَةٌ ككافِرٍ وكَفَرَةٍ حُذِفَتْ منه الهاءُ وقُرِئَ " وعَابِدَ الطَّاغُوتِ " مثل : ضارِب الرَّجُلِ وهي قراءة ابن أَبي زائدة وقرِئ " وعُبُدَ الطَّاغُوتِ " وجمع عابد . قال الزَّجّاجُ : هو جَمْع عَبِيدٍ كَرَغيفٍ ورُغُفٍ وهي قراءَة يَحْيَى بنِ وَثَّابٍ وحَمزة . ورُوِيَ عن النَّخَعِيّ أَنه قَرَأَ : " وعُبْدَ الطَّاغُوتِ " بإسكانِ الباءِ وفتح الدَّالِ . وقُرِئَ " وعَبْدَ الطَّاغُوتِ " بفتح فسكون وفيه وَجْهانِ : أحدهما أَن يكونَ مُخَفَّفاً من عَبُدٍ كما يقال : في عَضُدٍ : عَضْدٌ . وجائزٌ أَن يكونَ عَبْد اسمَ الواحِد يَدُلُّ على الجِنْس ويجوز