وفيه تنبيه قال السيوطي في المزهر : أول ما يلزمه الإخلاص وتصحيح النيّة ثمَّ التحري في الأخذ عن الثقات مع الدأب والملازمة عليهما وليكتب كلّ ما رآه ويسمعه فذلك أضبَطُ له وليرحل في طلب الغرائب والفوائد كما رحل الأئمة وليعتنِ بِحفظ أشعار العرب مع تفهّم ما فيها من المعاني واللطائف فإن فيها حكماً ومواعظ وآداباً يستعان بها على تفسير القرآن والحديث وإذا سمع من أحد شيئاً فلا بأس أن يتثبت فيه وليترفق بمن يأخذ عنه ولا يكثر عليه ولا يطوّل بحيث يضجر ثمَّ إنه إذا بلغ الرتبة المطلوبة صار يدعى الحافظ ووظائفه في هذا العلم أربعة : أحدهما وهي العليا الإملاءُ كما أن الحفاظ من أهل الحديث أعظم وظائفهم الإملاء وقد أملَى حفَّاظ اللغة من المتقدمين الكثير فأملى أَبو العباس ثعلب مجالس عديدة في مجلد ضخم وأملى ابن دريد مجالس كثيرة رأيت منها مجلَّداً وأملى أَبو محمد القاسم بن الأنباري وولده أَبو بكر ما لا يحصى وأملى أَبو علي القالي خمس مجلدات وغيرهم وطريقتهم في الإملاء كطريقة المحدّثين يكتب المستملي أول القائمة : مجلسٌ أملاه شيخنا فلان بجامع كذا في يوم كذا ويذكر التاريخ ثمَّ يورد المملي بإسناده كلاماً عن العرب والفصحاء فيه غريب يحتاج إلى التفسير ثمَّ يفسره ويورد من أشعار العرب وغيرها بأسانيده ومن الفوائد اللغوية بإسناد وغير إسناد مما يختاره وقد كانَ هذا في الصدر الأول فاشياً كثيراً ثمَّ ماتت الحفّاظ وانقطع إملاء اللغة من دهر مديد واستمر إملاء الحديث . قال السيوطي : ولما شرعت في إملاء الحديث سنة 873 وجددته بعد انقطاعه عشرين سنة من سنة مات الحافظ أَبو الفضل بن حجر أردت أن أجدد إملاء اللغة وأحييه بعد دثوره فأمليت مجلساً واحداً فلم أجد له حَمَلَةً ولا من يرغب فيه فتركته وآخر من عَلمته أملَى على طريقة اللغويين أَبو القاسم الزجّاجي له أمالي كثيرة في مجلدٍ ضخم وكانت وفاته في سنة 339 ولم أقف على أمالي لأحد بعده . ومن آدابه : الإفتاء في اللغة وليقصد التحرّي والإبانة والإفادة والوقوف عند ما يعلم وليقل فيما لا يعلم : لا أعلم . ومن آدابه الرواية والتعليم ومن آدابهما الإخلاص وأن يقصد بذلك نشر العلم وإحياءه والصدق في الرواية والتحري والنصح والاقتصار على القدر الذي تحمله طاقة المتعلم . ومن آداب اللغوي أن يمسك عن الرواية إذا كبر ونسي وخاف التخليط ولا بأس بامتحان من قدم ليعرف محلّه في العلم وينزل منزلته لا لقصد تعجيزه وتنكيسه فإن ذلك حرام .
تنبيه قال أَبو الحسين أحمد بن فارس : تؤخذ اللغة اعتياداً كالصبي العربيّ يَسمع أبويه وغيرهما فهو يأخذ اللغة عنهم على ممر الأوقات وتؤخذ تلقُّناً من ملقّن وتؤخذ سماعاً من الرواة الثقات وللمتحمل بهذه الطرق عند الأداء والرواية صيغ أعلاها أن يقول : أملَى عليَّ فُلانٌ ويلي ذلك : سمعت ويلي ذلك أن يقول : حدثني فلان وحدثنا إذا حدثه وهو مع غيره ويلي ذلك أن يقول : قال لي فلان وقال فلان بدون لي ويلي ذلك أن يقول : عن فلان ومثله : إن فلاناً قال . ويقال في الشعر : أنشدنا وأنشدني على ما تقدم وقد يستعمل فيه حدّثنا وسمعت ونحوهما .
وفي المزهر في باب معرفة طرق الأخذ والتحمل وهي ستة : أحدها السماع من لفظ الشيخ أو العربي . ثانيها القراءة على الشيخ ويقول عند الرواية قرأت على فلان . ثالثها السماع على الشيخ بقراءة غيره ويقول عند الرواية قرئ على فلان وأنا أسمع وقد يستعمل في ذلك أيضاً أخبرنا قراءة عليه وأنا أسمع وأخبرني فيما قرئ عليه وأنا أسمع ويستعمل في ذلك أيضاً حدثنا فيما قرئ عليه وأنا أسمع . رابعها الإجازة وذلك في رواية الكتب والأشعار المدونة قال ابن الأنباري : الصحيح جوازها . خامسها الكتابة سادسها الوِجادة وأمثلتها في كتب اللغة كثيرة .
المقصد الثامن .
وفيه أنواع .
النوع الأول في بيان مراتب اللغويين وفيه نوعان :