وإِن بحثَ فيه الدَّمامِينِيُّ في التُّحْفَةِ وتَكَلَّفَ للجَوَابِ وهي ظَرفٌ وتَدْخُلُ عليها ما الكَافَّةُ فتَتَضَمَّنُ معنَى الشَّرْطِ كما في البَيْتِ ولها أَحكامٌ مَبْسُوطَةٌ في المُغْنِى وغيرِهِ . " ويُثَلَّثُ آخِرُه " قال شيخُنَا : أَي مع كُلٍّ من الياءِ والواوِ والأَلف عند بعضِهم فهي تسعُ لُغَاتٍ ذَكَرَها ابنُ عُصْفُورٍ وغيرُه وبه تَعْلَم قُصورَ كلامِ المُصَنِّف . قلت : هذا الذِي ذكَره شيخُنا إِنما هُو في قولهم : تركتُه حاثِ باثِ وحَوْثَ بَوْثَ وحَيْثُ بَيْثَ - بالواو والياءِ والأَلف مع التَّثْلِيثِ في آخِرِهِ - وأَما فيما نَحْنُ فِيهِ فلم يَرِدْ فِيه إِلا حَوْثُ وحَيْثُ ولم يرد حاثَ ولم يَقُلْ أَحدٌ : إِن الأَلِفَ لغةٌ فيه وسَنَذْكُرُ في ذلك كلامَ الأَئمَّةِ . حتَّى يَظْهَرَ أَنّ ما ذكرَه شيخُنَا إِنّمَا هو تَحَامُلٌ فقط . ففي التكملة : حَيْثِ - مبنيّاً على الكسْر - : لُغَةٌ في الضمّ والفتح . وفي اللسانِ : حَيْثُ : ظرفٌ مُبْهَمٌ من الأَمْكنَة مضمومٌ وبعضُ العربِ يَفْتَحُه وزعموا أَنَّ أَصْلَها الواو قال ابنُ سِيده : وإِنَما قلَبُوا الواوَ ياءً طلبَ الخفَّة قال : وهذا غيرُ قَوِيٍّ . وقال بعضهم : أَجْمَعَتِ العربُ على رفع حيثُ في كل وَجْهٍ وذلك أَنَّ أَصلَها حَوْثُ فقُلِبت الواو ياءً ؛ لكثرةِ دُخُولِ اليَاءِ على الوَاو فقيل : حَيْثُ ثمّ بُنِيَتْ على الضَّمّ ؛ لالتقاءِ السَّاكِنَينِ واختِيرَ لها الضَّمُّ ليُشْعِرَ ذلك بأَن أَصلَهَا الواو وذلك لأَنَّ الضَّمةَ مُجَانِسةٌ للواو فكأَنّهم أَتْبَعُوا الضَّمَّ الضَّمّ قال الكِسَائِيّ : وقد يكون فيها النَّصْبُ يَحْفِزُهَا ما قبلَهَا إِلى الفَتْح . قال الكِسَائِيّ : سَمِعْتُ في بني تَميمٍ - من بَنِي يَرْبُوعٍ وطُهَيَّةَ - من يَنْصِبُ الثاءَ على كلِّ حالٍ : في الخفْضٍ والنصْبِ والرفْع فيقول : حَيْثَ الْتَقَيْنَا ومن حَيْثَ لا يَعْلَمُون ولا يُصِيبُه الرَّفْعُ في لُغَتِهم قال : وسمعتُ في بني الحَارِثِ ابنِ أَسَدِ بنِ الحارِثِ بنِ ثَعْلَبَةَ وفي بَنِي فَقْعَسٍ كُلِّهَا يَخْفِضُونَهَا في موضع الخَفْضِ ويَنْصِبُونَها في موضع النَّصْب فيقول : من حيثِ لا يَعْلَمُونَ وكانَ ذلك حَيْثَ التَقَيْنَا . وحكى اللِّحْيَانيّ عن الكِسَائِيّ أَيضاً أَنّ مِنْهُم من يَخْفِضُ بحيْثُ وأَنشد : .
" أَمَا تَرَى حَيْثُ سُهَيْل طَالِعَا قال : وليْسَ بالوَجْهِ . وقال الأَزْهَرِيّ - عن اللَّيْث - : للعَرَبِ في حَيْثُ لُغَتَان : فاللُّغَةُ العَاليَةُ حَيْثُ الثَّاءُ مَضْمُومَةٌ وهو أَداةٌ للرَّفْع الاسم بَعدَهُ ولُغَةٌ أُخْرَى حَوْثُ روايةٌ عن العَرَبِ لبَنِي تَمِيمٍ : " يَظنّون حيثُ في موضع نَصْبٍ يقولون الْقَهُ حيثُ لَقِيتَه ونحو ذلك كذلك " وقال ابنُ كَيْسَانَ : حَيْثُ حَرفٌ مبْنِىٌّ على الضَّمِّ وما بعدَهُ صِلَةٌ له يرتقعُ الاسمُ بعدَه على الابتداءِ : كقولك : قُمْتُ حَيْثُ زَيدٌ قائِمٌ وأَهلُ الكُوفَةِ يُجِيزُونَ حَذفَ قائم ويرفَعُونَ بحيثُ زَيْداً وهو صِلةٌ لها فإِذا أَظْهَرُوا قائماً بعدَ زَيْد أَجَازُوا فيه الوَجْهَيْنِ : الرفع والنصْبَ " فَيرفعون الاسمَ أَيضاً وليس بِصِلَةٍ لها ويَنصبون خَبَره ويرفعونه فيقولون : قامت مقام صِفَتين والمعنى : زيدٌ في مَوضع فيه عمرٌو . فَعَمْرٌو مرتفع بفيه وهو صِلةٌ للموضِع وزَيدٌ مرتفع بفي الأُولَى وهي خَبرُه وليست بصِلةٍ لشيءٍ " قال : وأَهلُ البَصْرَةِ يقُولون : حيثُ مُضَافَةٌ إِلى جُمْلَةِ " ف " لذلك لم تَخْفِضْ وأَنشد الفرَّاءُ بيتاً أَجازَ فِيهِ الخَفْضَ " وهو قوله : .
" أَما تَرَى حَيْثَ سُهَيْلِ طَالِعَا