تتولد منها ثم امتن علينا بأن خلق لنا من الأنعام ثمانية ازواج ثم اخبر تعالى أنه يذرؤنا في هذه الأزواج يعني التي هي من أنفسنا فتبين ذلك بيانا ظاهرا لاخفاء به أن الله تعالى أخبرنا في هذه الآية نفسها أن الأزواج المخلوقة لنا إنما هي من أنفسنا ثم فرق بين أنفسنا وبين الأنعام فلا سبيل الى أن يكون لنا أزواج تتولد فيها من غير أنفسنا ويكفي من هذا أن قولهم إنما هو دعوى بلا برهان وإنما رتبوه على أصلهم في العدل فاخرجوا هذا الوجه لما شاهدوه من إيلام الحيوان وكل قول لم يوجبه برهان فهو باطل ولم يأت هذا القول قط عن أحد من الأنبياء وهؤلاء القوم مقرون بالأنبياء عليهم السلام فلاح يقينا فساد قولهم .
وأما الفرقة الثانية القائلة بالدهر فاننا نقول وبالله التوفيق .
أنه يكفي من فساد قولهم هذا أنه دعوى بلا برهان لا عقلي ولاحسي وما كان هكذا فهو باطل بيقين لا شك فيه لكننا لا نقنع بهذا بل نبين عليهم بيانا لائحا ضروريا بحول الله تعالى وقوته فتقول وبالله تعالى نستعين إن الله تعالى خلق الأنواع والأجناس ورتب الأنواع تحت الأجناس وفصل كل نوع من النوع الآخر بفصله الخاص له الذي لا يشاركه فيه غيره وهذه الفصول المذكورة لأنواع الحيوان انما هي لأنفسها التي هي أرواحها فنفس الإنسان حية ناطقة ونفس الحيوان حية غير ناطقة هذا هو طبيعة كل نفس وجوهرها الذي لا يمكن استحالته عنه فلا سبيل الى أن يصير غير الناطق ناطقا ولا الناطق غير الناطق ولو جاز هذا لبطلت المشاهدات وما أوجبه الحس وبديهة العقل والضرورة لإنقسام الأشياء على حدودها وأما الفرقة الثالثة .
التي قالت إن الأرواح تنتقل الى أجساد نوعها فيبطل قولهم بحول الله تعالى وقوته بطلانا ضروريا بكل ما كتبناه في اثبات حدوث العالم ووجوب الإبتداء له والنهاية من أوله وبما كتبناه في اثبات النبوة أن جميع النبوات وردت بخلاف قولهم وببرهان ضروري عليهم وهوانه في العالم كله شيآن يشتبهان بجميع أعراضها اشتباها تاما من وجه يعلم هذا من تدبر اختلاف الصور واختلاف الهيآت وتباين الأخلاق وإنما يقال هذا الشىء يشبه هذا على معنى أن ذلك في أكثر أحوالهما لافي كلها ولو لم يكن ما قلنا ما فرق أحد بينهما البتة وقد علمنا بالمشاهدة أن كل من يتكرر عليه ذلك الشيآن تكررا كثيرا متصلا أنه لا بد أن يفصل بينهما وأن يميز أحدهما من الثاني وأن يجد في كل واحد منهما أشياء بان بها عن الآخر لا يشبهه فيها فصح بهذا أنه لا سبيل الى وجود شخصين يتفقان في أخلاقهما كلها حتى لا يكون بينهما فرق في شىء منها وقد علمنا بيقين أن الأخلاق محمولة في النفس فصح بهذا أن نفس كل ذي نفس من الأجساد من أي نوع كانت غير النفس التي في غيره من الأجساد كلها ضرورة وقال أيضا بعض من ذهب الى التناسخ من الحاملين ذلك على سبيل الجزاء أن الله تعالى عدل حكيم رحيم كريم فإذهو كذلك فمحال أن يعذب من لا ذنب له قال فلما وجدناه تعالى يقطع أجسام الصبيان الذين لا ذنب لهم بالجدري والقروح ويأمر بذبح بعض الحيوان الذي لا ذنب له وبطبخه وأكله ويسلط بعضها على بعض فيقطعه ويأكله ولا ذنب له علمنا أنه تعالى لم يفعل ذلك إلا وقد كانت الأرواح عصاة مستحقة للعقاب بكسب هذه الأجساد لتعذب فيها قال أبو محمد Bه تعالى عنه وقد تكلمنا على إبطال هذا الأصل الفاسد في