موات فبطل قول ابن كيسان والحمد لله رب العالمين وأما قول من قال أنها مزاج كما قال جالينوس فإن كل ما ذكرنا مما أبطلنا به قول أبي بكر بن كيسان فإنه يبطل أيضا قول جالينوس وأيضا فإن العناصر الأربعة التي منها تركب الجسد وهي التراب والماء والهواء والنار فإنها كلها موات بطبعها ومن الباطل الممتنع والمحال الذي لا يجوز البتة أن يجتمع موات وموات وموات وموات فيقوم منها حي وكذلك محال أن تجتمع بوارد فيقوم منها حار أو حوار فيجتمع منها بارد أو حي وحي وحي فيقوم منها موات فبطل أن تكون النفس مزاجا وبالله تعالى التوفيق وأما قول من قال أنها عرض فقط وقول من قال إنما النفس النسيم الداخل والخارج من الهواء وأن الروح هو عرض وهو الحياة فإن كلى هذين القولين يبطلان بكل ما ذكرنا ابطلال قول الأصم ابن كيسان وأيضا فإن أهل هذين القولين ينتمون إلى الإسلام والقرآن يبطل قولهم نصا قال الله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى فصح ضرورة أن النفس غير الأجساد وان الأنفس هي المتوفاة في النوم والموت ثم ترد عند اليقظة وتمسك عند الموت وليس هذا التوفي للأجساد أصلا وبيقين يدري كل ذي حس سليم أن العرض لا يمكن أن يتوفى فيفارق الجسم الحامل له ويبقى كذلك ثم يرد بعضه ويمسك بعضه هذا ما لا يكون ولا يجوز لأن العرض يبطل بمزايلته الحامل له وكذلك لا يمكن أن يظن ذو مسكة من عقل أن الهواء الخارج والداخل هو المتوفى عند النوم وكيف ذلك وهو باق في حال النوم كما كان في حال اليقظة ولا فرق وكذلك قوله تعالى والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون فإنه لا يمكن أن يعذب العرض ولا الهواء وأيضا قال الله D يقول وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى الآية .
قال أبو محمد فهذه آية ترفع الأشكال جملة وتبين أن النفس غير الجسد وإنما هي العاقلة المخاطبة المكلفة لأنه لا يشك ذو حس سليم في أن الأجساد حين أخذ الله عليها هذا العهد كانت مبددة في التراب والماء والهواء والنار ونص الآية يقتضي ما قلنا فكيف وفيها نص أن الإشهاد إنما وقع على النفوس وما أدرى كيف تنشرح نفس مسلم بخلاف هذه النصوص وكذلك أخبار رسول الله A أنه رأى عند سماء الدنيا ليلة أسرى به عن يمين آدم وعن يساره نسم بنية فأهل السعادة عن يمينه وأهل الشقاوة عن يساره عليه السلام ومن الباطل أن تكون الأعراض باقية هنالك أو أن يكون النسيم هنالك وهو هواء متردد في الهواء .
قال أبو محمد ولو كان ما قاله أبو الهذيل والباقلاني ومن قلدهما حقا لكان الإنسان يبدل في كل ساعة ألف ألف روح وأزيد من ثلاث مائة نفس ألف لأن العرض عندهم لا يبقى وقتين بل يفنى ويتجدد عندهم أبدا فروح كل حي على قولهم في كل وقت غير روحه التي كانت قبل ذلك وهكذا تتبدل أرواح الناس عندهم بالخطاب وكذلك بيقين يشاهد كل أحد أن الهواء الداخل بالتنفس ثم يخرج هو غير الهواء الداخل بالتنفس الثاني فالإنسان يبدل على قول الأشعرية أنفسا كثيرة في كل وقت ونفسه الآن غير نفسه آنفا وهذا حمق لا خفاء به فبطل قول الفريقين بنص القرآن والسنة والإجماع والمشاهدة والمعقول والحمد لله رب العالمين هذا مع تعريهما من الدليل جملة وأنها دعوى فقط وما كان هكذا فهو باطل وقد صرح الباقلاني عند ذكره لما يعترض في أرواح الشهداء وأرواح آل فرعون فقال هذا يخرج على وجهين بأن يوضع عرض الحياة في أقل جزء من أجزاء الجسم وقال بعض من شاهدناه منهم توضع الحياة في عجب الذنب واحتج بالخبر عن رسول الله A كل ابن آدم يأكله التراب ألا عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة وفي روليه منه خلق وفيه يركب