وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعلمون وقال تعالى إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون فصح أن العقل هو الإيمان وجميع الطاعات وقال تعالى عن الكفار وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ومثل هذا في القرآن كثير فصح ان العقل فعل النفس وهو عرض محمول فيها وقوة من قواها فهو عرض كيفية بلا شك وإنما غلط من غلط في هذا لأنه رأى لبعض الجهال المخلطين من الأوائل أن القل جوهر وأن له فلكا فعول على ذلك من لا علم له وهذا خطأ كما أوردنا وبالله تعالى التوفيق وأيضا فإن لفظة العقل عربية أتى بها المترجمون عبارة عن لفظة أخرى يعبر بها في اليونانية أو في غيرها من اللغات عما يعبر بلفظة العقل عنه في اللغة العربية هذا ما لا خفاء به عند أحد ولفظة العقل في لغة العرب إنما هي موضوعة لتمييز الأشياء واستعمال الفضائل فصح ضرورة أنها معبرة بها عن عرض وكان مدعي خلاف ذلك رديء العقل عديم الحياء مباهتا بلا شك ولقد قال بعض النوكي الجهال لو كان العقل عرضا لكانت الأجسام أشرف منه فقلت للذي أتاني بهذا وهل للجوهر شرف إلا بأعراضه وهل شرف جوهر قط على جوهر إلا بصفاته لا بذاته هل يخفى هذا على أحد ثم قلنا ويلزمهم هذا نفسه على قولهم السخيف في العلم والفضائل أن لا يخالفوننا في أنها أعراض فعلى مقدمتهم السخيفة يجب أن تكون الأجسام كلها أشرف منها وهذا كما ترى وأما الهيولي فهو الجسم نفسه الحامل لأعراضه كلها وإنما أفردته الأوائل بهذا الاسم إذ تكلموا عليه مفردا في الكلام عليه عن سائر أعراضه كلها من الصورة وغيرها مفصولا في الكلام عليه خاصة عن إعراضه وإن كان لا سبيل إلى أن يوجد خاليا عن أعراضه ولا متعريا منها أصلا ولا يتوهم وجوده كذلك ولا يتشكل في النفس ولا يتمثل ذلك أصلا بل هو محال ممتنع جملة كما أن الإنسان الكلي وجميع الأجناس والأنواع ليس شيء منها غير أشخاصه فقط فهي الأجسام بأعيانها إن كان النوع نوع أجسام وهي أشخاص الأعراض إن كان النوع نوع أعراض ولا مزيد لان قولنا الإنسان الكلي يزيد النوع إنما معناه أشخاص الناس فقط لا أشياء آخر وقولنا الحمرة الكلية إنما معناه أشخاص الحمرة حيث وجدت فقط فبطل بهذا تقدير من ظن من أهل الجهل أن الجنس والنوع والفصل جواهر لا أجسام وبالله تعالى التوفيق لكن الأوائل سمتها وسمت الصفات الأوليات الذاتيات جوهريات لا جواهر وهذا صحيح لأنها منسوبة إلى الجواهر لملازمتها لها وأنها لا تفارقها البتة ولا يتوهم مفارقتها لها وبالله تعالى التوفيق فبطل قولهم في الخلا والمدة والصورة والعقل والهيولي والحمد لله رب العالمين وأما الباري تعالى فقد أخطأ من سماه جوهرا من المجسمة ومن النصارى لأن لفظة الجوهر لفظة عربية ومن أثبت الله D ففرض عليه إذا قرانه خالقه وإلاهه ومالك أمره ألا يقدم عليه في شيء إلا بعهد منه تعالى وإلا يخبر عنه إلا بعلم متيقن ولا علم ههنا إلا ما أخبر به D فقط فصح يقينا أن تسمية الله D جوهرا والأخبار عنه بأنه جوهر حكم عليه تعالى بغير عهد منه وأخبار عنه تعالى بالكذب الذي لم يخبر قط تعالى به نفسه ولا سمي به نفسه وهذا إقدام لم يأتنا قط به برهان بإباحته وأيضا فإن الجوهر حامل لأعراض ولو كان الباري تعالى حاملا لعرض لكان مركبا عن ذاته وأعراضه وهذا باطل وأما النصارى فليس لهم ان يتصوروا على اللغة العربية فيصرفوها عن موضعها فبطل أن يكون تعالى جوهرا لبراءته عن حد الجواهر وبطل أن يسمى جوهرا لأنه تعالى لم يسمي نفسه به وبالله تعالى التوفيق فبطل قول من سمى الله تعالى جوهرا واخبر عنه أنه تعالى جوهر ولله تعالى الحمد فلم يبق إلا النفس والجزء الذي لا يتجزأ ونحن إن شاء الله تعالى نتكلم فيها كلاما مبينا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم