قياس موجود على ومعدوم قياس وتشبيه لما قد خلقه بزعمكم على ما لم يخلقه وهذا في غاية الفساد ولا فرق بينكم في هذا القياس الفاسد وبين من يقول أن في بلد كذا قوما ما يشمون من عيونهم ويسمعون من أنوفهم ويذوقون من آذانهم ويبصرون من ألسنتهم فإذا كذب في ذلك وسئل برهانا على دعواه قال أتفرون أن الله قادر على خلق ذلك فقلنا له نعم قال فهذا دليل على صحة دعواي بل أنتم أسوأ حالا لأن هذا أخبر عن متوهم لو كان كيف كان يكون فأنتم تخبرون عن غير متوهم في النفس ولا متشكل في العقل وهو إقراركم بوجود معان لا نهاية لعددها في وقت واحد .
قال أبو محمد فبطل هذا القول الفاسد والحمد لله رب العالمين وكان يكفي من بطلانها أنها دعوى لا برهان على صحتها وهي دعوى فاسدة غير ممكنة بل هي محال لا يتوهم ولا ولا يتشكل وبالله تعالى التوفيق الكلام في الأحوال مع الأشعرية ومن وافقهم .
قال أبو محمد وأما الأحوال التي ادعتها الأشعرية فإنهم قالوا أن ها هنا أحوالا ليست حقا ولا باطلا ولا هي مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا هي موجودة ولا معدومة ولا هي معلومة ولا هي مجهولة ولا هي أشياء ولا هي لا أشياء وقالوا من هذا علم العالم بأن له علما ووجوده لوجوده ما يجده قالوا فإن قلتم أن لكم علما بأن لكم علما بالباري تعالى وبما تعلمونه وإن لكم وجودا لوجودكم ما تجدونه سألناكم ألكم علم بعلمكم بأن لكم علما وهل لكم وجود لوجودكم ووجودكم ما تجدونه فإن أقررتم بذلك لزمكم أن تسلسلوا هذا أبدا إلى ما لا نهاية له ودخلتم في قول أصحاب معمر والدهرية وإن منعتم من ذلك سئلتم عن صحة الدليل على صحة منعكم ما منعتم من ذلك وصحة إيجابكم ما أوجبتم من ذلك وكذلك قالوا في قدم القديم وحدوث المحدث وبقاء الباقي وفناء الفاني وظهور الظاهر وخفاء الخافي وقصد القاصد ونية الناوي وزمان الزمان وما أشبه ذلك وقالوا لو كان للباقي بقاء ولبقاء الباقي بقاء وهكذا أبدا إلى ما لا نهاية له قالوا فهذا يوجب وجود أشياء لا نهاية لها وهذا محال وهكذا قالوا في قدم القديم وقدم قدمه وقدم قدم قدمه إلى ما لا نهاية له وفي حدوث أحد حدوث حدوثه وحدوث حدوث حدوثه إلى ما لا نهاية له وهكذا قالوا في زمان الزمان وزمان زمان الزمان إلى ما لا نهاية له وفي فناء الفاني فناء فناء فنائه ما لا نهاية له وكذلك ظهور الظاهر وظهور ظهوره وظهور ظهور ظهوره إلى ما لا نهاية له وكذلك القصد والقصد إلى القصد والقصد إلى القصد إلى القصد وهكذا إلى ما لا نهاية وكذلك النية والنية للنية والنية للنية إلى ما لا نهاية له وكذلك تحقيق الحق وتحقيق تحقيق الحق إلى ما لا نهاية له .
قال أبو محمد أفكار السوء إذا ظن صاحبها أنه يدفق فيها فهي أضر عليه لأنها تحرجه إلى التخليط الذي ينسبونه إلى السوفسطائية وإلى الهذيان المحض وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .
قال أبو محمد والكلام في هذا أبين من ان يشكل على عامي فكيف علي فهم 1 فكيف على عالم والحمد لله نحن نتكلم على هذا أن شاء الله D كلاما ظاهرا لائحا لا يخفى على ذي حس سليم وبالله تعالى نتأيد فنقول وبالله تعالى التوفيق أما القدم فإنه من صفات الزمن ومن فيه تقول ملك أقدم من ملك وزمان أقدم من زمان وشيخ أقدم من شيخ أي أنه متقدم بزمانه عليه والزمان متقدم بذاته على الزمان ليس في العالم قدم قديم الأزمان هذا هو حكم اللغة التي لا يوجد فيها غيره أصلا فالقدم هو التقدم والتقدم متقدم على غيره بنفسه فقط لأن القدم موجود معلوم وهي صفة المتقدم فلا يجوز إنكاره وأما قدم القدم فباطل لأنه لم يأت به نص ولا قام بوجوده دليلا وما كان هكذا فهو باطل وأما وجود الموجود فبضرورة الحس أن الموجود حق وأنه يقتضي واجد وأن الوجد يقتضي وجودا لما وجد هو فعل الواجد وصفته