لا شيء وادعي مع ذلك أنه يعلم فألزمناهم على ذلك أنهم يعلمون لا شيء وأن الله تعالى يعلم لا شيء فجسر بعضهم على ذلك فقلنا له أن قولك علمت لا شيء وعلم الله تعالى لا شيء ملائم لقولك لم أعلم شيئا ولقولك لم يعلم الله تعالى شيئا لا فرق بين معنى القضيتين البتة بل هما واحد وإن اختلفت العبارتان وإذ هو كذلك فقد صح أن المعدوم لا يعلم فإن ألزمنا على هذا وسألنا هل يعلم الله تعالى إلا شيئا قبل كونها أم لا قلنا لم يزل الله تعالى يعلم أن ما يخلقه أبدا إلى ما لا نهاية له فإنه سيخلقه ويرتبه على الصفات التي يخلقها فيها إذا خلقه وأنه سيكون شيئا إذا كونه ولم يزل D يعلم أن ما لم يخلق بعد فليس هو شيئا حتى يخلقه ولم يزل تعالى يعلم أنه لا شيء معه وأنه ستكون الأشياء أشياء إذا خلقها لأنه تعالى إنما يعلم الأشياء على ما هي عليه لا على خلاف ما هي عليه لأن من علمها على خلاف ما هي عليه فلم يعلمها بل جهلها وليس هذا علما بل هو ظن كاذب وجهل وبرهان هذا قول الله D ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو في لغة العرب التي خاطبنا الله تعالى بها حرف يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره فصح أنه تعالى لم يسمعهم لأنه لم يعلم فيهم خيرا أو لا خير فيهم فصح أن المعدوم لا يعلم أصلا ولو علم لكان موجودا أوإنما يعلم الله تعالى أن لفظة المعدوم لا مسمى لها ولا شيء تحتها ويعلم D الآن أن الساعة غير قائمة وهو الآن تعالى لا يعلمها قائمة بل يعلم أنه سيقيمها فتقوم فتكون قيامة وساعة ويوم جزاء ويوم بعث وشيئا عظيما حين يخلق كل ذلك لا قبل أن يخلقه فأما علمه تعالى بأنه سيقيمها فتقوم فهو موجود حق فهذا معنى إطلاق العلم على ما لم يكن بعد من المعدومات كما أننا لانعلم الآن الشمس طالعة طلوعها في غد بل نعلم أنها ستطلع غدا وكذلك لا نعلم موت الأحياء الآن بل نعلم أن الله تعالى سيخلق موتهم فنعلمه موتا لهم إذ خلقه لا قبل ذلك وبالله تعالى التوفيق وقال تعالى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين فهذا نص جلي على أن المعدوم لا يعلم لأن الله تعالى أخبر أنه لا يدخل الجنة من لا يعلمه الله تعالى مجاهدا ولا صابرا فصح أن من لم يجاهد ولا صبر فلم يعلمه الله تعالى قط مجاهدا ولا صابرا أو لا علم له جهادا ولا صبرا وإنما علمه غير مجاهد وغير صابر ولم يزل تعالى يعلم أن من كان منهم سيجاهد وسيصبر فإنه لم يزل يعلم أنه سيجاهد وسيصبر فإذا جاهد وصبر علمه حينئذ صابرا مجاهدا والعلم لا يستحيل لأنه ليس شيئا غير الباري تعالى وإنما استحال المعلوم فقط ثم نسألهم هل يعلم الله تعالى لحية الأطلس وقنا الأفطس أم لا يعلم ذلك وهل يعلم الله تعالى أولاد العقيم وإيمان الكافر وكفر المؤمن وكذب الصادق وصدق الكاذب أم لا يعلم شيئا من ذلك فإن قالوا أنه تعالى يعلم كل ذلك كانوا قد وصفوا الله تعالى بالجهل وأنه يعلم الأشياء بخلاف ما هي عليه وإن قالوا أنه تعالى لا يعلم للعقيم أولادا وإنما يعلمه لا ولد له ولا يعلم لحية الأطلس بل يعلمه غير ذي لحية صدقوا وعادوا إلى الحق وبالله تعالى التوفيق الكلام في المعاني علي معمر .
قال أبو محمد وأما معمر ومن اتبعه فقالوا إنا وجدنا المتحرك والساكن فأيقنا آن معنى حدث في المتحرك به فارق الساكن في صفته وإن معنى حدث في الساكن به أيضا فارق المتحرك في صفته وكذلك علمنا أن في الحركة معنى به فارقت السكون وإن في السكون معنى به فارق الحركة وكذلك علمنا في ذلك المعنى الذي به خالفت الحركة السكون معنى به فارق المعنى الذي به فارقه السكون وهكذا أبدا أوجبوا أن في كل شيء في هذا العالم من جوهر أو عرض أي شيء كان معاني فارق كل معنى منها كل ما عداه في العالم وكذلك أيضا في تلك المعاني لأنها أشياء موجودة متغايرة وأوجبوا بهذا وجود أشياء في زمان محدد في العالم لا نهاية لعددها