بينا أنها لم تكن كافة قط وحتى لو صح أنها كافة فكيف لا يجوز ذلك في كل آية تحيل الطبائع والحواس فهم ضرورة لا يحمل على الممكنات فلو صح أنها كانت كافة لكان خبر الله تعالى أنه شبه لهم حاكما على حواسهم ومحيلالها كخروج النبي A ليلة هاجر بحضرة مائة رجل من قريش وقد حجب الله سبحانه أبصارهم عنه فلم يروه .
وأما ما لم يأت خبر عن الله D بأنه شبه على الكافة فلا يجوز أن يقال ذلك لأنه قطع على المحال وإحالة طبيعة وإحالة الطبائع لا تدخل في الممكن إلا أن يأتي بذلك يقين عن الله D فيلزم قبوله .
وأما التشبيه على الواحد والإثنين ونحو ذلك فإنه جائز وكذلك فقد العقل والسخافة يجوز ذلك على الواحد والإثنين ونحو ذلك ولا يجوز على الجماعة كلها .
وقوله تعالى وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم إنما هو إخبار عن الذين يقولون تقليدا لأسلافهم من النصارى واليهود أنه عليه السلام قتل وصلب فهؤلاء شبه لهم القول أي أدخلوا في شبهة منه وكان المشبهون لهم شيوخ السوء في ذلك الوقت وشرطهم المدعون أنهم قتلوه وصلبوه وهم يعلمون أنه لم يكن ذلك وإنما أخذوا من أمكنهم فقتلوه وصلبوه في استتار ومنع من حضور الناس ثم أنزلوه ودفنوه تمويها على العامة التي شبه الخبر لها .
ثم نقول لليهود والنصارى بعد أن بينا بحول الله وقوته بيان ما شنعوه في هذه المسألة إن كوافكم قد نقلت عن بعض أنبيائكم فسوقا ووطء إماء وهو حرام عندكم وعن هارون عليه السلام أنه هو الذي عمل العجل لبني إسرائيل وأمرهم بعبادته والرقص أمامه وقد نزه الله تعالى الأنبياء عليهم السلام عن عبادة غيره وعن الأمر بذلك وعن كل معصية ورذيلة فإذا جوزوا كلهم هذا على أنبيائهم منهم موسى عليه السلام وسائر أنبيائهم كان كل ما أمروهم به من جنس عمل العجل والرقص والأمر بعبادته ومن جنس وطء الإماء وسائر ما نسبوه إلى داود وسليمان عليهما السلام وسائر أنبيائهم ولا سيما وهم يقرون بأن العجل كان يخور بطبعه .
وأما نحن فجوابنا في هذا كله بأن ليس شيء منه نقل كافة ولكن نقل آحاد كذبوا فيه وأما خوار العجل فإنما هو على ما روينا عن ابن عباس Bه من أنه كان صفير الريح تدخل من فيه وتخرج من دبره لا أنه خار بطبعه قط وحتى لو صح أنه خار بطبعه لكان ذلك من اجل القوة التي كانت في القبضة التي قبضها السامري من أثر جبريل عليه السلام والذي يعتمد عليه فهو قول ابن عباس Bه الذي ذكرناه وبالله تعالى التوفيق .
وأما قوله كيف كان الفرض قبل ورود النص ببطلان صلبه الإقرار بصلبه أم الإنكار له فهذه قسمة فاسدة شغبية قد حذر منها الأوائل كثيرا ونبه عليها أهل المعرفة بحدود الكلام وذلك أنهم اوجبوا فرضا ثم قسموه على قسمين أما فرض بإنكار وإما فرض بإقرار وأضربوا عن القسم الصحيح فلم يذكروه وهذا لا يرضي به لنفسه إلا جاهل أو سخيف مغالط غابن لنفسه غاش لمن اعتر به وإنما الحقيقة هاهنا أن يقول هل يلزم الناس قبل ورود القرآن فرض بالإقرار بصلب المسيح أو بإنكار صلبه أو لم يلزمهم فرض بشيء من ذلك فهذه هي القسمة الصحيحة والسؤال الصحيح وحق الجواب أنه لم يلزم الناس قط قبل ورود القرآن فرض بشيء من ذلك لا بإقرار ولا بإنكار وإنما كان خبرا لا يقطع العذر ولا يوجب العلم الضروري ممكن صدق قائله فقد قتل أنبياء كثيرة وممكن أن يكون ناقله كذب في ذلك