ينزل على الملكين ويكون هاروت وماروت حيئذ بدلا من الشياطين كأنه قال ولكن الشياطين هاروت وماروت ويكون هاروت وماروت قبيلتان من قبائل الجن كانتا يعلمان الناس السحر وقد روينا هذا القول عن خالد ابن أبي عمران وغيره وروى عن الحسن البصري أنه كان يقرأ على الملكين بكسر اللام وكان يقول أن هاروت وماروت علجان من أهل بابل إلا أن الذي لا شك فيه على هذا القول أنهما لم يكونا ملكين وقد اعترض بعض الجهال فقال لي أبلغ من رفق الشيطان أن يقول للذي يتعلم السحر لا تكفر فقلت له هذا الاعتراض يبطل من ثلاث جهات أحدهما أن نقول لك وما المانع من أن يقول الشيطان ذلك إما سخريا وإما لما شاء الله فلا سبيل لك إلى دليل مانع من هذا والثاني أنه قد نص الله D على أن الشيطان قال أني أخاف الله فقال تعالى وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وأني جار لكم إلى قوله تعالى إني أخاف الله والله شديد العقاب وقال تعالى كمثل الشيطان إذ فال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إتي أخاف الله رب العالمين فقد أمر الشيطان الإنسان بالكفر ثم تبرأ منه وأخبره أنه يخلف الله وغر الكفار ثم تبرأ منهم وقال إني أخاف الله بين أن يقول الشيطان للإنسان اكفر ويغره ثم يتبرأ منه ويقول إني أخاف اله وبين أن يعلمه السحر ويقول له لا تكفر والثالث أن معلم السحر بنص الآية قد قال للذي يتعلم منه لا تكفر فسواء كان ملكا أو شيطانا قد علمه على قولك ما لا يحل وقال له لا تكفر فلم تنكر هذا من الشيطان ولا تنكره بزعمك من الملك وأنت تنسب إليه أن يعلم السحر الذي عندك ضلال وكفر وأما أن يكون هاروت وماروت ملكين نزلا بشريعة حق بعلم ما على أنبياء فعلماهم الدين وقالا لهم لا تكفروا نهيا عن الكفر بحق وأخبراهم أنهم فتنة يضل الله تعالى بهما وبما أتيا به من كفر به ويهدي بهما من آمن به قال تعالى عن موسى أنه قال له إن هي ألا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء وكما قال تعالى ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ثم نسخ ذلك الذي أنزل علي الملكين فصار كفرا بعد أن كان إيمانا كما نسخ تعالى شرائع التوراة والإنجيل فتمادت الجن على تعلم ذلك المنسوخ وبالجملة فما في الآية من نص ولا دليل على أن الملكين علما السحر وإنما هو اقحام أقحم بالآية بالكذب والافك بل وفيها بيان أنه لم يكن سحرا بقوله تعالى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل ولا يجوز أن يجعل المعطوف والمعطوف عليه شيئا واحدا إلا ببرهان من نص أو اجماع أو ضرورة وإلا فلا أصلا وأيضا فإن بابل هي الكوفة وهي بلد معروف بقربها محدودة معلومة ليس فيها غار فيه ملك فصح أنه خرافة موضوعة إذ لو كان لك لما خفي مكانهما على أهل الكوفة فبطل التعلق بهاروت وماروت والحمد لله رب العالمين