نبيا والحجر حجرا وهل بين الأمرين فرق فإن الدعاء عمل أمرنا الله تعالى به فقيل لهم أن أوامره تعالى من جملة أفعاله بلا شك وأفعاله عندكم تجري على ما يحسن في العقل ويقبح فيه في المعهود وفيما بيننا وعلى الحكمة عندكم وقد علمنا أنه لا يحسن في الشاهد بوجه من الوجوه أن يأمر أحدا يرغب إليه فيما ليس بيده ولا فيما قد أعطاه إياه وكلا هذين الوجهين عبث وسفه وهم مقرون بأجمعهم أن الله تعالى حكم بهذا وفعله وهو أمره لهم بالدعاء إليه أما فيما لا توصف عندهم بالقدرة عليه وأما فيما قد أعطاهم إياه وهو عندهم عدل وحكمة فنقضوا أصلهم الفاسد بلا شك وأما نحن فإننا نقول أن الدعاء عمل أمرنا الله D به فيما يقدر عليه ثم إن شاء أعطانا وإن شاء منعنا إياه لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل .
قال أبو محمد وإن في إبتداء الله D كتابة المنزل إلينا بقوله تعالى آمرا لنا أن نقوله راضيا منا أن نقوله إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ثم ختمه تعالى كتابه آمرا لنا أن نقوله راضيا بقوله قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس لا بين بيان في تكذيب القائلين بأنه ليس عند الله تعالى أصلح مما فعل وأنه غير قادر على كف وسوسة الشيطان ولا على هدى الكفار هدى يستحقون به الثواب كما وعد المهتدين لأنه D نص على أنه هو المطلوب منه العون لنا والهدى إلى صراط من خصه بالنعمة عليه تعالى وضل فولا أنه تعالى قادرا على الهدى المذكور وأن عنده عونا على ذلك لا يؤتيه إلا من شاء دون من لم يشأ وأنه تعالى أنعم على قوم بالهدى ولم ينعم به على آخرين لما أمرنا أن نسأله من ذلك ما ليس يقدر عليه أو ما قد أعطاه إياه ونص تعالى على أنه قادر على صرف وسوسة الشيطان فلولا أنه تعالى يصرفها عمن يشاء لما أمرنا D أن نستعيذ مما لا يقدر على الإعاذة منه أو مما قد أعاذنا بعد منه .
قال أبو محمد ولا مخلص لهم من هذا أصلا ثم نسألهم أي مصلحة للعصاة في أن جعل بعض حركاتهم وسكونهم كبائر يستحقون عليها النار وجعل بعض حركاتهم وسكونهم صغائر مغفورة ولقد كان أصلح أن يجعلها كلها صغائر مغفورة ولقد أصلح أن يجعلها كلها صغائر مغفورة فإن قالوا هذا أزجر عن المعاصي وأصلح قيل لهم فهلا إذ هو كما تقولون جعلها جميعها كبائر زاجرة فهو أبلغ في الزجر .
قال أبو محمد وقد نص الله تعالى في القرآن آيات كثيرة لا يحتمل تأويلا بتكذيب المعجزين لربهم تعالى وليس يمكنهم وجود آية ولا سنة يتعلقون بها أصلا فمنها قوله تعالى إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أفلم يكن عنده أصلح من فتنة يضل بها بعض خلقه حاشى لله من هذا الكفر والتعجيز وقال تعالى حاكيا عن الذين أثنى عليهم من مؤمني الجن أنهم قالوا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا .
قال أبو محمد وصدقهم الله D في ذلك إذ لو أنكره لما أورده مثنيا عليهم بذلك وهذا في غاية البيان الذي قد هلك من خالفه وبطل به قول الضلال الملحدين القائلين أن الله تعالى أراد رشد فرعون وإبليس وأنه ليس عنده أصلح ولا يقدر لهما على هدى