هذه الطبيعة المقطعة لحم هذا الصبي بالجدري والاكلة والخنازير المعدية له ووجع الحصاة واحتباس البول أو الغائط أو انطلاق البطن حتى يموت والعدو القاسي القلب يرحمه ويتقطع له لعظيم ما يرى به من التضرر والأوجاع بقوة من عنده تعالى يفرج بها عن هذا الطفل المسكين المعذب أم هو تعالى غير قادر على ذلك فإن قالوا هو غير قادر على ذلك فما في العالم أعجز ممن تغلبه طبيعة هو خلقها وطبعها ووضعها فيمن هي فيه وربما غلها طبيب ضعيف من خلقه بعقار ضعيف من خلقه فهل في الجنون والكفر أكثر من هذا القول أن يكون هو خلق الطبيعة ووضعها فيمن هي فيه ثم لا يقدر على كف عملها الذي هو وضعه فيها وإن قالوا بل هو قادر على صرف الطبيعة وكفها ولم يفعل دخل في نفس ما أنكر وأقر على ربه على أصله الفاسد بالظلم والعبث وبالضرورة ندري أن من رأى طفلا في نار أو ماء وهو قادر على استنقاذة بلا مؤنة ولم يفعل فهو عابث ظالم ولكن الله تعالى يفعل ذلك وهو الحكم العدل في حكمه لا العابث ولا الظالم وهذا هو الذي اعظموا من أن يكون قادر على هدي الكفار ولا يفعل ولجأ بعضهم إلى أن قال لو عاش هذا الطفل لكان طاغيا قلنا لهم لم نسئلكم بعد عمن مات طفلا إنما سألناكم عن إيلامه قبل بلوغه ثم نجيبهم عن قولهم فيمن مات من الأطفال أنه لو عاش لكان طاغيا فنقول لهم هذا أشد في الظلم أن يعذبه على ما لم يفعل بعد .
قال أبو محمد قد وجدنا الله D قد حرم ذبح بعض الحيوان وأكله وأباح ذبح بعضه وأوجب ذبح بعضه إذا نذر الناذر بذبحه قربانا فنقول للمعتزلة أخبرونا ما كان ذنب الذي ابيح ذبحه وسلخه وطبخه بالنار وأكله وما كان ذنب الذي حرم كل ذلك فيه حتى حرم العوض الذي تدعونه وما كان بخت الذي حرم إيلامه ووجدناه D قد أباح ذبح صغار الحيوان مع ما يحدث لأمهاتها من الحنين والوله كالإبل والبقر فأي فرق بين ذبحنا لمصالحنا أو لتعوض هي وبين ما حرم من ذبح أطفالنا وصغار أولاد أعدائنا لمصالحنا أو ليعوضوا فإن طردوا دعواهم في المصلحة لربهم إن كل من له مصلحة في قتل غيره كان له قتله فإن قالوا لا يجوز ذلك الاحيث أباحه الله D تركوا قولهم ووفقوا للحق .
قال أبو محمد وجدناه تعالى قد حرم قتل قوم مشركين يجعلون له الصاحبة والولد ويهود ومجوس إذا أعطونا دينارا أو أربعة دنانير في العام وهم يكفرون بالله تعالى وأباح قتل مسلم فاضل قد تاب وأصلح لزنا سلف منه وهو محصن ولم يبح لنا إستبقاء مشركى العرب من عباد الأوثان الا بأن يسلموا ولا بد فأى فرق بين هؤلاء الكفار وبين الكفار الذين افترض علينا ابقاؤهم لذهب نأخذه منهم في العام .
قال أبو محمد وقالوا لنا هل في أفعال الله تعالى عبث وضلال ونقص ومذموم فجوابنا وبالله تعالى التوفيق إما أن يكون في أفعاله تعالى عبث يوصف به أو عيب مضاف اليه أو ضلال يوصف به أو نقص ينسب اليه أو جور منه أو ظلم منه أو مذموم منه فلا يكون ذلك أصلا بل كل أفعاله عدل وحكمة وخير وصواب وكلها حسن منه تعالى ومحمود منه ولكن فيها عيب على من ظهر منه ذلك الفعل وعبث منه وضلال منه وظلم منه ومذموم منه ثم نسألهم فنقول لهم هل في أفعاله تعالى سخف وجنون وحمق وفضائح ومصائب وقبح وسخام وأقذار وأنتان ونجس وسخنه للعين وسواد الوجه فإن قالوا لا أكذبهم الله D بقوله تعالى ما أصاب من مصيبة في الأرض