أحد إلا من ألزمه الله تعالى شكره ولا حق لأحد على أحد إلا من جعل الله تعالى له حقا فيجب كل ذلك إذ أوجبه الله تعالى وإلا فلا وقد أجمعوا معنا على أن من أفاض إحسان الدنيا على إنسان أفاضه بوجه حرمه الله تعالى فإنه لا يلزمه شكره وأن من أحسن إلى آخر غاية الإحسان فشكره بأن اعانه في دنياه بما لا يجوز في الدين فإنه مسيء إليه ظالم فصح يقينا أنه لا يجب شيء ولا يحسن شيء ولا يقبح شيء إلا ما أوجبه الله تعالى في الدين أو حسنة الله في الدين او قبحه الله في الدين فقط وبالله تعالى نتأيد وقال بعضهم الكذب قبيح على كل حال .
قال أبو محمد وهذا كالأول وقد أجمعوا معنا على بطلان هذا القول وعلى تحسين الكذب في مواضع خمسة إذ حسنه الله تعالى وذلك نحو إنسان مسلم مستتر من إمام ظالم يظلمه ويطلبه فسأل ذلك الظالم هذا الذي استتر عنده المطلوب وسأل أيضا كل من عنده خبره وعن ماله فلا خلاف بين أحد من المسلمين في أنه ان صدقه ودله على موضعه وعلى ما له فإنه عاص لله D فاسق ظالم فاعل فعلا قبيحا وأنه لو كذبه وقال له لا أدري مكانه ولا مكان ماله فإنه مأجور محسن فاعله فعلا حسنا وكذلك كذب الرجل لامرأته فيما يستجر به مودتها وحسن صحبتها والكذب في حرب المشركين فيما يوجد به السبيل إلى إهلاكهم وتخليص المسلمين منهم فصح أنه إنما قبح الكذب حيث قبحه الله عز و جل ولولا ذلك ما كان قبيحا بالعقل أصلا إذ ما وجب بضرورة العقل فمحال أن يستحيل في هذا العالم البتة عما رتبه الله D في وجود العقل إياه كذلك فصح كذبهم على العقول وقال بعضهم الظلم قبيح .
قال أبو محمد وهذا كالاول ونسألهم ما معنى الظلم فلا يجدون إلا أن يقولوا أنه قتل الناس وأخذ أموالهم وأذاهم وقتل المرء نفسه أو التشويه بها أو إباحة حرمه للناس ينكحونهن وكل هذا فليس شيء منه قبيحا لعينه وقد أباح الله D أخذ أموال قوم بخراسان من أجل ابن عمهم قتل بالأندلس رجلا خطأ لم يرد قتله لكن رمى صيدا مباحا له أو رمى كافرا في الحرب فصادف المسلم السهم وهو خارج من خلف جبل فمات ووجدناه تعالى قد أباح دم من زنى وهو محصن ولم يطأ امرأة قط إلا زوجة له عجوزا شعرها سوداء وطئها مرة ثم ماتت ولا يجد من أن ينكح ولا من أن يتسرى وهو شاب محتاج إلى النساء وحرم دم شيخ زنى وله ماية جارية كالنجوم حسنا إلا أنه لم يكن له قط زوجة وأما قتل المرء نفسه فقد حسن الله تعالى تعريض المرء نفسه للقتل في سبيل الله D وصدمه الجموع التي يوقن أنه مقتول في فعله ذلك وقد أمر D من قبلنا بقتل نفسه قال تعالى فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم ولو أمرنا D بمثل ذلك لكان حسنا كما كان حسنا أمره D بذلك بني إسرائيل وأما التشويه بالنفس فإن الختان والإحرام والركوع والسجود لولا أمر الله تعالى بذلك وتحسينه إياه لكان لا معنى له ولكان على أصولهم تشويها ودليل ذلك أن أمر أمن الناس لو قام ثم وضع رأسه في الأرض في غير صلاة بحضرة الناس لكان عابثا بلا شك مقطوعا عليه بالهوس وكذلك لو تجرد المرء من ثيابه أمام الجموع في غير حج ولا عمرة وكشف رأسه ورمى بالحصى وطاف ببيت مهر ولا مستديرا به لكان مجنونا بلا شك لا سيما أن امتنع من قبل قملة ومن فلى رأسه ومن قص أظفاره وشاربه لكن لما أمر الله D بما أمر به من ذلك كان فرضا واجبا