من الله تعالى مكنه بها من فعل الخير والشر والطاعة والمعصية تمكينا مستويا وهي الاستطاعة على اختلافهم فيها فهم متفقون على أن الباري تعالى خالقها وواهبها كانت نفس المستطيع أو بعضها أوعر ضافية وفي هذه الآية فرق بين الحسن والسيء كما ترى وأما الوجه الثالث الذي خالف فيه القائلون بالأصلح خاصة هذه الآية فإنهم يقولون أن الله تعالى لم يؤيد فاعل الحسنة بشيء من عنده تعالى ولم يؤثر فاعل السيئة والآية مخبرة بخلاف ذلك فصارت الآية حجة عليهم ظاهرة مبطلة لقولهم وأما قولنا نحن فيها فهو ما قاله الله D إذ يقول متصلا بهذه الآية دون فصل قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ثم قال تعالى بأثر ذلك بعد كلام يسير أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فصح بما ذكرنا أن كل هذا الكلام متفق لا مختلف فقدم الله تعالى أن كل شيء من عنده فصح بالنص أنه تعالى خالق الخير والشر وخالق كل ما أصاب الإنسان ثم أخبر تعالى أن ما أصابنا من حسنة فمن عنده وهذا هو الحق لأنه لا يجب لنا تعالى عليه شيء فالحسنات الواقعة منا فضل مجرد منه لا شيء لنا فيه وإحسان منه إلينا لن نستحقه قط عليه وأخبر D أن ما أصابنا من مصيبة فمن انفسنا بعد أن قال أن الكل من عند الله تعالى فصح أننا مستحقون بالنكال لظهور السيئة منا وأننا عاصون بذلك كما حكم علينا تعالى فحكمه الحق والعدل ولا مزيد وبالله تعالى التوفيق فإن قالوا فإذا كان الله خالقكم وخالق أفعالكم فأنتم والجمادات سواء قلنا كلا لأن الله تعالى خلق فينا علما نعرف به أنفسنا الأشياء على ما هي عليه وخلق فينا مشيئة لكل ما خلق فينا يسمى فعلا لنا فخلق فيه استحسان ما يستحسنه واستقباح ما يستقبحه وخلق تصرفا في الصناعات والعلوم ولم يخلق في الجمادات شيئا من ذلك فنحن مختارون قاصدون مريدون مستحسنون أو كارهون متصرفون علما بخلاف الجمادات فإن قيل فأنتم مالكون لأموركم مفوض إليكم أعمالكم مخترعون لأفعالكم قلنا لا لأن الملك والاختراع ليس هو لأحد غير الله تعالى إذ الكل مما في العالم مخترع له وملك له D والتفويض فيه معنى من الاستغناء ولا غنى بأحد عن الله D وبه نتأيد .
قال أبو محمد فإذ قد أبطلنا بحول الله تعالى وقوته كل ما شغب به المعتزلة في أن أفعال العباد غير مخلوقة لله تعالى فلنأت ببرهان ضروري إن شاء الله تعالى على صحة القول بأنها مخلوقة لله تعالى فنقول وبه D نتأيد أن العالم كله ما دون الله تعالى ينقسم قسمين جوهر وعرض لا ثالث لهما ثم ينقسم الجوهر إلى أجناس وأنواع ولكل نوع منها فصل يتميز به مما سواه من الأنواع التي يجمعها وإياه جنس واحد وبالضرورة نعلم أن ما لزم الجنس الأعلى لزم كل ما تحته إذ محال أن تكون نار غير حارة أو هواء راسب بطبعه أو إنسان صهال بطبعه وما أشبه هذا ثم بالضرورة نعلم أن الإنسان لا يفعل شيئا إلا الحركة والسكون والفكر والإرادة وهذه كلها كيفيات يجمعها مع اللون والطعم والمحبة والأشكال جنس الكيفية فمن المحال الممتنع أن يكون بعض ما تحت النوع الواحد والجنس الواحد مخلوقا وبعضه غير مخلوق وهذا أمر يعلمه باطلا من له أدنى علم بحدود العالم وانقسامه وحركتنا وسكوننا يجمع كل ذلك مع كل حركة في العالم وكل سكون في العالم نوع من الحركة ونوع من السكون ثم ينقسم كل ذلك قسمين ولا مريد حركة