وحركتنا الواقعتين منا أن يعذبنا على كل حركة لنا أو على كل إرادة لنا بل على كل حركة في العالم وعلى كل إرادة فإن قالوا لا يعذبنا إلا على حركتنا وارادتنا الواقعين منا بخلاف أمره D وكذلك نقول نحن أنه لا يعذبنا إلا على خلقه فينا الذي هو ظاهر منا بخلاف أمره وهو منسوب إلينا ومكتسب لنا لإيثارنا إياه المخلوق فينا فقط لا على كل ما خلق فينا أو في غيرنا ولا فرق ولو أخبرنا تعالى أنه يعذبنا على ما خلق في غيرنا لقلنا به ولصدقناه كما نقر أنه يعذب أقواما على ما لم يفعلوه قط ولا أمروا به لكن على ما يفعله غيرهم ممن جاء بعدهم بألف عام لأن أولئك كانوا أول من فعل مثل ذلك الفعل قال الله تعالى وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وقال تعالى حاكيا عن أحد ابني آدم عليه السلام أنه قال إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وقال تعالى ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون وليس هذا معارضا لقوله تعالى وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء بل كلا الآيتين متفقة مع الأخرى لأن الخطايا التي نفى الله D أن يحملها أحد عن أحد هي بمعنى أن يحط حمل هذا لها من عذاب العامل بها شيئا فهذا لا يكون لأن الله D نفاه وأما الحمل لمثل عقاب العامل للخطيئة مضاعفا زائدا إلى عقابه غير حاط من عقاب الآخر شيئا فهو واجب موجود وكذلك أخبرنا رسول الله A أن من سن سنة في الإسلام سيئة كان عليه مثل وزر من عمل بها أبدا لا يحط ذلك من أوزار العاملين لها شيئا ولو أن الله تعالى أخبرنا أنه يعذبنا على فعل غيرنا دون أن نسنه وأنه يعذبنا على غير فعل فعلناه أو على الطاعة لكان كل ذلك حقا وعدلا ولوجب التسليم له ولكن الله تعالى وله الحمد قد آمننا من ذلك بقوله تعالى لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ولحكمه تعالى أننا لا نجزي إلا بما عملنا أو كنا مبتدئين له فأمنا ذلك ولله تعالى الحمد وقد أيقنا أيضا أنه تعالى يأجرنا على ما خلق فينا من المرض والمصائب وعلى فعل غيرنا الذي لا أثر لنا فيه كضرب غيرنا لنا ظلما وتعذيبهم لنا وعلى قتل القاتل لمن قتل ظلما وليس ها هنا من المقتول صبر ولا عمل أصلا فإنما أجر على فعل غيره مجردا إذا أحدثه فيه وكذلك من أخذ غيره ماله والمأخوذ ماله لا يعلم بذلك إلى أن مات فأي فرق بين أن يأجرنا على فعل غيرنا وعلى فعله تعالى في إحراق مال من لم يعمل بإحتراق ماله وبين أن يعذبنا على ذلك لو شاء D وأما قولهم فرض الله D الرضا بما قضى وبما خلق فإن كان الكفر والزنا والظلم مما خلق ففرض علينا الرضا بذلك فجوابنا أن الله D لم يلزمنا قط الرضا بما خلق وقضى بكل ما ذكر بل فرض الرضا بما قضى علينا من مصيبة في نفس أو في مال مظهر تمويههم بهذه الشبهة .
قال أبو محمد فإن احتجوا بقول الله D ماأصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك فالجواب أن يقال لهم وبالله تعالى التوفيق أن هذه الآية أعظم حجة على أصحاب ألا صلح وهم جمهور المعتزلة في ثلاثة أوجه وهي حجة على جميع المعتزلة في وجهين لأن في هذه الآية أن ما أصاب الإنسان من حسنة فمن الله وما أصابه من سيئة فمن نفسه وهم كلهم لا يفرقون بين الأمرين بل الحسن والقبيح من أفعال المرء كل ذلك عندهم من نفس المرء لا خلق الله تعالى في شيء من فعله لا حسنه ولا قبيحه فهذه الآية مبطلة لقول جميعهم في هذا الباب والوجه الثاني أنهم كلهم قائلون أنه لا يفعل المرء حسنا ولا قبيحا البتة إلا بقوة موهوبة