ولا للأرض فهي إذا على قول هذا الجاهل غير مخلوقة ويلزمه أيضا أن يقول بقول معمر والجاحظ في أن الله تعالى لم يخلق الألوان ولا الطعوم ولا الروائح ولا الموت ولا الحياة لأن كل هذا غير مماس للسماء ولا للأرض .
قال أبو محمد وأما قول معمر والجاحظ أن كل هذا فعل الطبيعة فغباوه شديد وجهل بالطبيعة ومعنى لفظ الطبيعة إنما هي قوة الشيء تجري بها كيفياته على ما هي عليه وبالضرورة نعلم أن تلك القوة عرض لا يعقل وكل ما كان مما لا إختيار له من جسم أو عرض كالحجارة وسائر الجمادات فمن نسب إلى ما يظهر منها أنها أفعالها مخترعة لها فهو في غاية الجهل وبالضرورة نعلم أن تلك الأفعال خلق غيرها فيها ولا خالق هاهنا إلا خالق الكل وهو الله لا إله إلا هو .
قال أبو محمد ومن بلغ ههنا فقد كفانا الله تعالى شأنه لمجاهرته بالجهل العظيم والكفر المجرد في موافقته أهل الدهر وتكذيبه القرآن إذ يقول الله تبارك وتعالى الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وقوله تعالى تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل فأخبر تعالى أن تفاضلها في الطعوم من فعله D نعوذ بالله مما ابتلاهم به وأقحمهم فيه وقال معمر معنى قوله تعالى خلق الموت والحياة إنما معناه الإماتة والإحياء .
قال أبو محمد فما زاد على أنه أبدى تمام جهله بوجهين بينين أحدهما إحالته النص من كلام ربه تعالى بلا دليل والثاني أنه لم يزل عما لزمه لأن الموت والحياة هما الأمانه والإحياء بلا شك لأن الحياة والإحياء هو جمع النفس مع الجسد المركب الأرضي والموت والإماتة شيء واحد وهو التفريق بين النفس والجسد المذكور فقط فإذا كان جمع النفس والجسد وتفريقهما مخلوقين لله تعالى فقد صح أن الموت والحياة مخلوقان له تعالى يقينا وبطل تمويه هذا المجنون .
قال أبو محمد ومن النصوص القاطعة في هذا قول الله تعالى إنا كل شيء خلقناه بقدر فلجأ بعضهم إلى دعوى الخصوص وذكروا قول الله تعالى تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم وقوله تعالى وأوتيت من كل شيء وقوله ففتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا .
قال أبو محمد وكل هذا لا حجة لهم فيه لأن قوله تعالى تدمر كل شيء بأمر ربها بيان جلي على أنها إنما دمرت كل شيء أمرها الله تعالى بتدميره لا ما لم يأمرها فهو عموم لكل شيء أمرها به وقوله تعالى وأوتيت من كل شيء فمن للتبعيض فمن أتاه الله شيئا من الأشياء فقد أتاه من كل شيء لأنه قد أتاه بعض الأشياء وأما قوله تعالى ففتحنا عليهم أبواب كل شيء فحق ونحن لاندري كيفية ذلك الفتح إلا أننا ندري أن الله تعالى صدق فيما قال وأنه تعالى إنما أتاهم بعض الأشياء التي فتح عليهم أبوابها ثم لو صح برهان في بعض هذا العموم أنه ليس على ظاهره وإنما أريد به الخصوص لما وجب من ذلك أن يحمل كل عموم على خلاف ظاهره بل كل عموم فعلى ظاهره حتى يقوم برهان بأنه مخصوص أو أنه منسوخ فيوقف عنده ولا يتعدى بالتخصيص وبالنسخ إلى ما لم يقم برهان بأنه منسوخ أو مخصوص ولو كان غير هذا لما صحت