والديصانية والمجوس والصابئة والمزدقية ومن ذهب مذاهبهم وهو أنهم قالوا وجدنا الحكيم لا يفعل الشر ولا يخلق خلقا ثم يسلط عليه غيره وهذا عيب في المعهود ووجدنا العالم كله ينقسم قسمين كل قسم منهما ضد الآخر كالخير والشر والفضيلة والرذيلة والحياة والموت والصدق والكذب فعلمنا أن الحكيم لا يفعل إلا الخير وما يليق فعله به وعلمنا أن الشرور لها فاعل غيره وهو شر منها والاستدلال الثاني وهو إستدلال من قال بتدبير الكواكب السبعة والاثني عشر برجا ومن قال بالطبائع الأربع وهو أن قالوا لا يفعل الفاعل أفعالا مختلفة إلا بأحد وجوه أربعة إما أن يكون ذا قوى مختلفة وأما أن يفعل بالآت مختلفة وإما أن يفعل باستحالة وإما أن يفعل في أشياء مختلفة قالوا فلما بطلت هذه الوجوه كلها وإذا لو قلنا أنه يفعل بقوى مختلفة لحكمنا عليه بأنه مركب فكان يكون من أحد المفعولات ولو قلنا إنه يفعل بإستحالة لوجب أن يكون منفعلا للشيء الذي أحاله فكان يدخل بذلك في جملة المفعولات ولو قلنا أنه يفعل أشياء مختلفة لوجب أن تكون تلك الأشياء معه وهو لم يزل فتلك الأشياء لم تزل فكان حينئذ لا يكون مخترعا للعالم ولا فاعلا له قالوا فعلمنا بذلك أن الفاعلين كثير وأن كان واحد يفعل ما يشاء كله .
قال أبو محمد Bه فهذه عمدة ما عول عليه ومن لم يقل بالتوحيد وكلا هذين الاستدلالين خطأ فاحش على ما نبين إن شاء الله تعالى .
فيقال وبالله تعالى التوفيق لمن احتج بما احتجت به المانية من أنه لا يفعل الحكيم الشر ولا العبث هل يخلو علمكم بأن هذا الشيء شر وعبث من أحد وجهين لا ثالث لهما إما أن تكونوا علمتموه بسمع وردكم وخبر وإما أن تكونوا علمتموه بضرورة العقل .
فإن قلتم أنكم علمتموه من طريق السمع قيل لكم هل معني السمع الآتي غير أن مبتدع الخلق ومرتبه سمى هذا الشيء شرا وأمر باجتنابه وسمى هذا الشيء الآخر خيرا وأمر بإتيانه فلا بد من نعم إذ هذا هو معنى اللازم عند كل من قال بالسمع فيقال لهم فإنما صار الشر شرا لنهي الواحد الأول عنه وإنما صار الخير خيرا لأمره فلا بد من نعم فإذا كان هذا فقد ثبت أن من لا مبدع ولا مدبر له ولا آمر فوقه لا يكون شيء من فعله شرا إذا السبب في كون الشر شرا هو الإخبار بأنه شر ولا مخبر يلزم طاعته إلا الله تعالى فإن قال فكيف يفعل هو شيئا قد أخبر أنه شر قليل له ليس يفعل الجسم فيما يشاهد غير الحركة والسكون والحركة كلها جنس واحد في أنها