و مر أن هذا الحديث أعني قوله هؤلاء الخلفاء بعدي صحيح ولا منافاة بين القول بالاستخلاف والقول بعدمه لأن مراد من نفاه أنه لم ينص عند الموت على استخلاف أحد بعينه ومراد من أثبته أنه نص عليه وأشار إليه قبل ذلك ولا شك أن النص على ذلك قبل قرب الوفاة يتطرق إليه الاحتمال وإن بعد بخلافه عند الموت فلذلك نفى الجمهور كعلي وعمر وعثمان الاستخلاف ويؤيد ذلك قول بعض المحققين من متأخري الأصوليين معنى لم ينص عليها لأحد لم يأمر بها لأحد على أنه قد يؤخذ مما في البخاري عن عثمان أن خلافة أبي بكر منصوص عليها والذي فيه في هجرة الحبشة عنه من جملة حديث أنه قال وصحبت رسول الله وبايعته ووالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله ثم استخلف الله أبا بكر فوالله ما عصيته ولا غششته ثم استخلف عمر فوالله ما عصيته ولا غششته الحديث .
فتأمل قوله في أبي بكر ثم استخلف الله أبا بكر وفي عمر ثم استخلف عمر تعلم دلالته على ما ذكرته من النص على خلافة أبي بكر وإذا أفهم كلامه هذا ذلك مع ما مر عنه من أنها غير منصوص عليها تعين الجمع بين كلاميه بما ذكرناه وكان اشتمال كلاميه على ذينك مؤيدا للجمع الذي قدمناه وعلى كل فهو كان يعلم لمن هي بعده بإعلام الله له ومع ذلك فلم يؤمر بتبليغ الأمة النص على واحد بعينه عند الموت وإنما وردت عنه ظواهر تدل على أنه علم بإعلام الله له أنها لأبي بكر فأخبر بذلك كما مر وإذا أعلمها فأما أن يعلمها علما واقعا موافقا للحق في نفس الأمر أو أمرا واقعا مخالفا له وعلى كل حال لو وجب على الأمة مبايعة غير أبي بكر لبالغ رسول الله في تبليغ ذلك