4 - وفرق آخر لعله أهم من هذه الفروق كلها هو أن النحو يعتبر المادة اللغوية ثابتة غير متغيرة ويدَّعي أن القواعد التي في اللغة يجب الرجوع إليها في كل زمان أما فقه اللغة فيَعْرِض للّغات الأخرى ويرى أن اللغة في تغير دائم وأن ما يقوله النحو في ذلك ليس إلا دعوى . فهناك اللغة البدوية قبل الإسلام وهاك الفروق الواضحة بين شعر جاهلي وشعر عباسي وبين المعاني التي أتى بها القرآن ولم تكن معروفة للجاهليين والنثر الحديث يغاير النثر القديم وقد نشأت مصطلحات للفقهاء والمتكلمين واللغويين وأهل التديّن والتصوّف وغيرهم فللثقافات الأجنبية وللترجمة أثر في توسيع نطاق اللغة وتعبيرها عن معان لا قِبَلَ للغة العربية بها . ويظهر هذا في تركيب الجمل أيضا وقد حاول المترجمون في العصر العباسي محاكاة الأسلوب اليوناني كحنين بن إسحاق فنجحوا في هذا حتى صارت اللغة العربية تتسع للثقافات العلمية . ونرى هذا اليوم فإن كل سطر نقرؤه في الكتب الحديثة شاهد على قدرة اللغة العربية على تحمل الاصطلاحات الحديثة الأجنبية . واللغة اليونانية لغة تحليلية من مزاياها أنها ترتب المعاني ترتيبا منطقيا وترتب الجملة وأجزاءها على حسب المعاني .
إذاً فاللغة في تطور وتغير طبقا للعوامل الاجتماعية وطبقا للتأثيرات الأجنبية التي تأتي من الخارج .
وهذا في اللغة الكتابية التي تحفظ وتوضع لها قواعد يظن أنها ثابتة فكيف بلغة الحديث التي يتناقلها الجمهور . ولا شك أن تغير اللغة وتطورها يطابق التغيرات التي ترى على سائر مظاهر النشاط الاجتماعي والفن أو العلم الذي يدرس تغييرات هذه المظاهر هو التاريخ فكما أننا نبحث عن التطورات السياسية والدينية كذلك الحال في اللغة فتاريخ اللغة يشمل حياتها في جميع مظاهرها " .
إلى هنا ينتهي كلام الأستاذ في شرح معنى " فقه اللغة " عند القدماء والمحدثين .
نرجو أن تكون هذه الطبعة أكثر تحقيقا وتنقيحا من سابقتها والله نسأل أن يسدد خطانا في خدمة العربية بنشر كنوزها وإشاعة محاسنها بين أبنائها .
مصطفى السقا إبراهيم الأبياري عبد الحفيظ شلبي