الباب التاسع في ذكر أخبار جماعة من العقلاء صدرت عنهم أفعال الحمقى وأصروا عليها مستصوبين لها فصاروا بذلك الاصرار حمقى ومغفلين .
فأول القوم ابليس فانه كان متعبدا مؤذنا للملائكة فظهر منه من الحمق والغفلة ما يزيد على كل مغفل فانه لما رأى آدم مخلوق من طين اضمر في نفسه لئن فضلت عليه لاهلكنه ولئن فضل علي لأعصينه ولو تدبر الامر لعلم انه كان الاختيار قد سبق لآدم لم يطق مغالبته ولكنه جهل القدر ونسى المقدار ثم لو وقف على هذه الحالة لكان الامر يحمل على الحسد ولكنه خرج الى الاعتراض على المالك بالتخطئة للحكمة فقال أرأيتك هذا الذي كرمت علي والمعنى لم كرمته ثم زعم انه أفضل من آدم بقوله خلقتنى من نار وخلقته من طين ومجموع المندرج في كلامه أني أحكم من الحكيم وأعلم من العليم وأن الذي فعله من تقديم آدم ليس بصواب هذا وهو يعلم أن علمه مستفاد من العالم الاكبر فكأنه يقول يا من علمني أنا أعلم منك ويا من قدر تفضيل هذا علي ما فعلت صوابا فلما أعيته الحيل رضى باهلاك نفسه فأوثق عقد اصراره ثم أخذ يجتهد في اهلاك غيره ويقول لاغوينهم وجهله في قوله لاغوينهم من وجهين أحدهما انه اخرج ذلك مخرج القاصد لتأثر المعاقب له وجهل أن الحق سبحانه لا يتأثر ولا يؤذيه شىء ولا ينفعه لانه الغني بنفسه والثاني نسى أنه من أريد