بأن تحمل إلى مدينته تلك أموال الجبايات ويقصدها أصحاب الولايات وينتابها طلاب الحوائج وحذر أن يعوج عنها إلى باب الخليفة عائج فاقتضيت إليها اللبانات والأوطار وانحشد الناس إليها من جميع الأقطار وتم لمحمد بن أبي عامر ما أراد وانتظم بلبة أمانيه المراد وعطل قصر الخليفة من جميعه وصيره بمعزل من سامعه ومطيعه وسد باب قصره عليه وجد في خير ألا يصل إليه وجعل فيه ثقة من صنائعه يضبط القصر ويبسط فيه النهي والأمر ويشرف منه على كل داخل ويمنع ما يحذره من الدواخل ورتب عليه الحراس والبوابين والسمار والمنتابين يلازمون حراسة من فيه ليلا ونهارا ويراقبون حركاتهم سرا وجهارا وقد حجر على الخليفة كل تدبير ومنعه من تملك قبيل أو دبير وأقام الخليفة هشام مهجور الفناء معجوز الغناء خفي الذكر عليل الفكر مسدود الباب محجوب الشخص عن الأحباب لا يراه خاص ولا عام ولا يخاف منه بأس ولا يرجى منه إنعام ولا يعهد منه إلا الاسم السلطاني في السكة والدعوة وقد نسخه ولبس أبهته وطمس بهجته وأغنى الناس عنه وأزال أطماعهم منه وصيرهم لا يعرفونه وأمرهم أنهم لا يذكرونه واشتد ملك محمد بن أبي عامر منذ نزل قصر الزاهرة وتوسع مع الأيام في تشييد بنيتها حتى كملت أحسن كمال وجاءته في نهاية الجمال نقاوة بناء وسعة فناء واعتدال هواء رق أديمه وصقالة جو اعتل نسيمه ونضرة بستان وبهجة للنفوس فيها افتنان وفيها يقول صاعد اللغوي .
( يا أيها الملك المنصور من يمن ... والمبتني نسبا غير الذي انتسبا )