فاهتز الناصر وابتهج وأطرق منذر بن سعيد ساعة ثم قام منشدا .
( يا باني الزهراء مستغرقا ... أوقاته فيها أما تمهل ) .
( له ما أحسنها رونقا ... لو لم تكن زهرتها تذبل ) فقال الناصر إذا هب عليها نسيم التذكار والحنين وسقتها مدامع الخشوع يا أبا الحكم لا تذبل إن شاء الله تعالى فقال منذر اللهم اشهد أني قد بثثت ما عندي ولم آل نصحا انتهى .
ولقد صدق القاضي منذر C تعالى فيما قال فإنها ذبلت بعد ذلك في الفتنة وقلب ما كان فيها من منحة محنة وذلك عندما ولي الحجابة عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر الملقب بشنجول وتصرف في الدولة مثل ما تصرف أخوه المظفر وأبوهما المنصور فأساء التدبير ولم يميز بين القبيل والدبير فدس إلى المؤيد هشام بن الحكم من خوفه منه حتى ولاه عهده كما بينا نص العهد فيما سبق فأطبق الخاصة والعامة على بغضه وإضمار السوء له وذلك سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة فعند ذلك خرج عليه محمد بن هشام بن عبد الجبار بن الناصر سنة تسع وتسعين وتلقب بالمهدي وخلع المؤيد وحبسه وأسلمت الجيوش شنجول فأخذ وأسر وقتل .
قال ابن الرقيق ومن أعجب ما روي أنه من نصف نهار يوم الثلاثاء لأربع بقين من جمادى الآخرة إلى نصف نهار يوم الأربعاء فتحت قرطبة وهدمت الزهراء وخلع خليفة وهو المؤيد وولي خليفة وهو المهدي وزالت دولة بني عامر العظيمة وقتل وزيرهم محمد بن عسقلاجة وأقيمت جيوش من العامة ونكب خلق من الوزراء وولي الوزارة آخرون وكان ذلك كله على يد عشرة رجال فحامين وجزارين وزبالين وهم جند المهدي هذا انتهى