( أقول وقد جد ارتحالي وغردت ... حداتي وزمت للفراق ركائبي ) .
( وقد غمضت من كثرة الدمع مقلتي ... وصارت هواء من فؤادي ترائبي ) .
( ولم يبق إلا وقفة يستحثها ... وداعي للأحباب لا للحبائب ) .
( رعى الله جيرانا بقرطبة العلا ... وجاد رباها بالعهاد السواكب ) .
( وحيا زمانا بينهم قد ألفته ... طليق المحيا مستلان الجوانب ) .
( أإخواننا بالله فيها تذكروا ... مودة جار أو مودة صاحب ) .
( غدوت بهم من برهم واحتفائهم ... كأني في أهلي وبين أقاربي ) .
عود إلى مسجد قرطبة .
وأما مسجد قرطبة فشهرته تغني عن كثرة الكلام فيه ولكن نذكر من أوصافه وننشر من أحواله ما لا بد منه فنقول : بعض المؤرخين : ليس في بلاد الإسلام أعظم منه ولا أعجب بناء وأتقن صنعة وكلما اجتمعت منه أربع سواري كان رأسها واحدا ثم صف رخام منقوش بالذهب واللازورد في أعلاه وأسفله انتهى . الذي ابتدأ بناء هذا المسجد العظيم عبد الرحمن بن معاوية المعروف بالداخل ولم يكمل في زمانه وكمله ابنه هشام ثم توالى الخلفاء من بني أمية على الزيادة فيه حتى صار المثل مضروبا به والذي ذكره غير واحد أنه لم يزل كل خليفة يزيد فيه على من قبله إلى أن كمل على يد نحو الثمانية من الخلفاء . بعض المؤرخين : إن عبد الرحمن الداخل لما استقر أمره وعظم بنى القصر بقرطبة وبنى المسجد الجامع وأنفق عليه ثمانين ألف دينار وبنى بقرطبة الرصافة تشبيها برصافة جده هشام بدمشق