شذاهم وأرجت أيام نزلوا خلالها وتفيأوا ظلالها وعمروا حدائقها وجناتها ونبهوا الآمال من سناتها وزاعوا الليوث في آجامها وأخجلوا الغيوث عند انسجامها فأصبحت ولها التداعي تفلع واعتجاز ولم يبق من آثارها إلا نؤي وأحجار قد هوت قبابها وهرم شبابها وقد يلين الحديد ويبلى على طيه الجديد .
وقال أبو صخر القرطبي يذكر ذلك من أبيات ينعاهم بها .
( ديار عليها من بشاشة أهلها ... بقايا تسر النفس أنسا ومنظرا ) .
( ربوع كساها المزن من خلع الحيا ... برودا وحلاها من النور جوهرا ) .
( تسرك طورا ثم تشجيك تارة ... فترتاح تأنيسا وتشجى تذكرا ) .
ومن كلام أبي الحسن القاشاني يصف نادي رئيس خلا من ازدحام الملا وعوضه الزمان من تواصل أحبابه هجرا وقلى قد كان منزله مألف الأضياف ومأنس الأشراف ومنتجع الركب ومقصد الوفد فاستبدل بالأنس وحشة وبالضياء ظلمة واعتاض من تزاحم المواكب تلاطم النوادب ومن ضجيج النداء والصهيل عجيج البكاء والعويل .
ومن رسالة لابن الأثير الجزري يصف دمنة دار لعبت بها أيدي الزمن وفرقت بين المسكن والسكن كانت مقاصير جنة فأصبحت وهي ملاعب جنة وقد عميت أخبار قطانها وآثار أوطانها حتى شابهت إحداهما في الخفاء الأخرى في العفاء وكنت أظن أنها لا تسقى بعدهم بغمام ولا يرفع عنها جلباب ظلام غير أن السحاب بكاهم فأجرى بها هوامع دموعه والليل شق عليهم جيوبه