وحيد زمانه أبوعبد الله محمد بن إبراهيم الآبلي C تعالى قال لما توجه الشيخ الصالح الشهير أبو إسحاق التنسي من تلمسان إلى بلاد المشرق اجتمع هنالك بقاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد فكان من قوله له كيف حال الشيخ العالم أبي عبد الله ابن خميس وجعل يحليه بأحسن الأوصاف ويطنب في ذكر فضله فبقي الشيخ أبو إسحاق متعجبا وقال من يكون هذا الذي حليتموه بهذا الحلي ولا أعرفه ببلده فقال له هو القائل .
( عجبا لها أيذوق طعم وصالها ... ) .
قال فقلت له إن هذا الرجل ليس عندنا بهذه الحالة التي وصفتم إنما هو عندنا شاعر فقط فقال له إنكم لم تنصفوه وإنه لحقيق بما وصفناه به .
قال السلطان وأخبرنا شيخنا الآبلي المذكور أن قاضي القضاة ابن دقيق العيد كان قد جعل القصيدة المذكورة بخزانة كانت له تعلو موضع جلوسه للمطالعة وكان يخرجها من تلك الخزانة ويكثر تأملها والنظر فيها ولقد تعرفت أنه لما وصلت هذه القصيدة إلى قاضي القضاة تقي الدين المذكور لم يقرأها حتى قام إجلالا لها انتهى .
وكان ابن خميس C تعالى بعد مفارقة بلده تلمسان سقى الله أرجاءها أنواء نيسان كثيرا ما يتشوق لمشاهدها ويتأوه من تذكره لمعاهدها وينشد القصائد الطنانة في ذلك سالكا من الحنين إليها المسالك فمن ذلك قوله .
( تلمسان لو أن الزمان بها يسخو ... منى النفس لا دار السلام ولا الكرخ ) .
( وداري بها الأولى التي حيل دونها ... مثار الأسى لو أمكن الحنق اللبخ )