والتسليم له ويقول ابن عباد أمة وحده ولا شك أنه كذلك كان أعني غريبا فإن العارف غريب الهمة بعيد القصد لا يجد مساعدا على قصده وكان الغالب عليه الحياء من الله تعالى والتنزل بين يدي عظمته وتنزيله نفسه منزلة أقل الحشرات لا يرى لنفسه مزية على مخلوق لما غلب عليه من هيبة الجلال وعظمة المالك وشهود المنة نظارا إلى جميع عباد الله تعالى بعين الرحمة والشفقة والنصيحة العامة مع توفية المراتب حقها والوقوف مع الحدود الشرعية واعتبارهم من حيث مراد الله تعالى بهم هذا دأبه مع الطائع والعاصي ما لم يظهر له من أحد مخايل حب التعظيم والمدح والتجبر على المساكين ورؤية الحق إذ هي دعوى لا تليق بالعبد ومن كانت هذه صفته فقد وصل حد الخذلان بل هي علامة تقارب القطع على أنه شقي مسلم إلى غضب الله تعالى ومقته أعاذنا الله تعالى منه وكان من حال هذا السيد تألف قلوب الأولاد الصغار فهم يحبونه محبة تفوق محبتهم لآبائهم وأمهاتهم فينتظرون خروجه للصلاة وهم عدد كثير يأتون من كل أوب ومن المكاتب البعيدة فإذا رأوه ازدحموا على تقبيل يده وكذا كان ملوك زمانه يزدحمون عليه ويتذللون بين يديه فلا يحفل بذلك وذكر لي بعض تلامذته أن أقواله تشبه أفعاله لما منحه الله تعالى من فنون الاستقامة مع ما في كلامه من النور والحلاوة التي استفزت ألباب المشارقة بحيث صار لهم بحث عريض على تواليفه انتهى كلام ابن السكاك .
وله من التواليف الرسائل الكبرى والصغرى وشرح الحكم ونظمها في ثمانمائة بيت من الرجز .
وحدث الشيخ أبو مسعود الهراس قال كنت أقرأ في صحن جامع القرويين