وشهدت مجلسا آخر عند هذا السلطان قرئ فيه على أبي زيد ابن الإمام حديث لقنوا موتاكم لا إله إلا الله في صحيح مسلم فقال له الأستاذ أبو إسحاق ابن حكم السلوي هذا الملقن محتضر حقيقة ميت مجازا فما وجه ترك محتضريكم إلى موتاكم والأصل الحقيقة فأجابه أبو زيد بجواب لم يقنعه وكنت قد قرأت على الأستاذ بعض التنقيح فقلت زعم القرافي أن المشتق إنما يكون حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال مختلفا فيه في الماضي إذا كان محكوما به أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو في حقيقة مطلقا إجماعا وعلى هذا التقرير لا مجاز فلا سؤال لا يقال إنه احتج على ذلك بما فيه نظر لأنا نقول أنه نقل الإجماع وهو أحد الأربعة التي لا يطالب مدعيها بالدليل كما ذكر أيضا بل نقول إنه أساء حيث احتج في موضع الوفاق كما أساء اللخمي وغيره في الاحتجاج على وجوب الطهارة ونحوها بل هذا أشنع لكونه مما علم من الدين بالضرورة ثم إنا لو سلمنا نفي الإجماع فلنا أن نقول إن ذلك إشارة إلى ظهور العلامات التي يعقبها الموت عادة لأن تلقينه قبل ذلك إن لم يدهش فقد يوحش فهو تنبيه على وقت التلقين أي لقنوا من تحكمون بأنه ميت أو نقول إنما عدل عن الاحتضار لما فيه من الإبهام ألا ترى اختلافهم فيه هل أخذ من حضور الملائكة أو حضور الأجل أو حضور الجلاس ولا شك أن هذه حالة خفية يحتاج في نصبها دليلا على الحكم إلى وصف ظاهر يضبطها وهو ما ذكرناه أو من حضور الموت وهو أيضا مما لا يعرف بنفسه بل بالعلامات فما وجب اعتبارها وجب كون تلك التسمية إشارة إليها والله تعالى أعلم .
كان أبو زيد يقول فيما جاء من الأحاديث من معنى قول ابن أبي زيد وإذا سلم الإمام فلا يثبت بعد سلامه ولينصرف إن ذلك بعد أن ينتظر بقدر ما يسلم من خلفه لئلا يمر بين يدي أحد وقد ارتفع عنه حكمه فيكون كالداخل مع المسبوق جمعا بين الأدلة قلت وهذا من ملح الفقيه