ينفث كل واحد منهما لصاحبه بما يحفظه مما كمن في صدورهما وحين بلغ خبر القبض على ابن الخطيب إلى السلطان ابن الأحمر بعث كاتبه ووزيره بعد ابن الخطيب وهو أبو عبد الله ابن زمرك فقدم على السلطان أبي العباس وأحضر ابن الخطيب بالمشور في مجلسه الخاصة وعرض عليه بعض كلمات وقعت له في كتابه في المحبة فعظم النكير فيها فوبخ ونكل وامتحن بالعذاب بمشهد ذلك الملأ ثم تل إلى محبسه واشتوروا في قتله بمقتضى تلك المقالات المسجلة عليه وأفتى بعض الفقهاء فيه ودس سليمان بن داود لبعض الأوغاد من حاشيته بقتله فطرقوا السجن ليلا ومعهم زعانفة جاؤوا في لفيف الخدم مع سفراء السلطان ابن الأحمر وقتلوه خنقا قي محبسه وأخرج شلوه من الغد فدفن بمقبرة باب المحروق ثم أصبح من الغد على سافة قبره طريحا وقد جمعت له أعواد وأضرمت عليه نار فاحترق شعره واسود بشره فأعيد إلى حفرته وكان في ذلك انتهاء محنته وعجب الناس من هذه الشنعاء التي جاء بها سليمان واعتدوها من هناته وعظم النكير فيها عليه وعلى قومه وأهل دولته والله الفعال لما يريد .
وكان عفا الله تعالى عنه أيام امتحانه بالسجن يتوقع مصيبة الموت فتجهش هواتفه بالشعر يبكي نفسه ومما قال في ذلك C تعالى .
( بعدنا وإن جاورتنا البيوت ... وجئنا بوعظ ونحن صموت ) .
( وأنفاسنا سكنت دفعة ... كجهر الصلاة تلاه القنوت ) .
( وكنا عظاما فصرنا عظاما ... وكنا نقوت فها نحن قوت ) .
( وكنا شموس سماء العلا ... غربن فناحت علينا السموت ) .
( فكم جدلت ذا الحسام الظبي ... وذو البخت كم جدلته البخوت )