والمعتمد إذ ذاك معتقل هناك وكانت فيهم طائفة شعرية مذنبة أو برية فرغبوا إلى سجانهم أن يستريحوا مع المعتمد من أشجانهم فخلى ما بينهم وبينه وغمض لهم في ذلك عينه فكان المعتمد C تعالى يتسلى بمجالستهم ويجد أثر مؤانستهم ويستريح إليهم بجواه ويبوح لهم بسره ونجواه إلى أن شفع فيهم وانطلقوا من وثاقهم وانفرج لهم مبهم أغلاقهم وبقي المعتمد في محبسه يشتكي من ضيق الكبل ويبكي بدمع كالوبل فدخلوا عليه مودعين ومن بثه متوجعين فقال .
( اما لانسكاب الدمع في الخد راحة ... لقد آن أن يفنى ويفنى به الخد ) .
( هبوا دعوة يا آل فاس لمبتلى ... بما منه قد عافاكم الصمد الفرد ) .
( تخلصتم من سجن أغمات والتوت ... علي قيود لم يحن فكها بعد ) .
( من الدهم أما خلقها فأساود ... تلوى وأما الأيد والبطش فالأسد ) .
( فهنيتم النعما ودامت لكلكم ... سعادته إن كان قد خانني سعد ) .
( خرجتم جماعات وخلفت واحدا ... ولله في أمري وأمركم الحمد ) .
ومر عليه في موضع اعتقاله سرب قطا لم يعلق لها جناح ولا تعلق بها من الأيام جناح ولا عاقها عن أفراخها الأشراك ولا أعوزها البشام ولا الأراك وهى تمرح في الجو وتسرح في مواقع النو فتنكد بما هو فيه من الوثاق ومادون أحبته من الرقباء والأغلاق وما يقاسيه من كبله ويعانيه من وجده وخبله وفكر في بناته وافتقارهن إلى نعيم عهدنه وحبور حضرنه وشهدنه فقال .
( بكيت إلى سرب القطا إذ مررن بي ... سوارح لا سجن يعوق ولا كبل ) .
( ولم تك والله المعيذ حسادة ... ولكن حنينا أن شكلي لها شكل )