خرج والموت يتسعر في ألحاظه ويتصور من ألفاظه وحسامه يعد بمضائه ويتوقد عند انتضائه فلقيهم برحبة القصر وقد ضاق بهم فضاؤها وتضعضعت من رجتهم أعضاؤها فحمل فيهم حملة صيرتهم فرقا وملأتهم فرقا وما زال يوالي عليهم الكر المعاد حتى اوردهم النهر ومابهم جواد وأودعهم حشاه كأنهم له فؤاد ثم انصرف وقد أيقن بانتهاء حاله وذهاب ملكه وارتحاله وعاد إلى قصره واستمسك فيه يومه وليلته مانعا لحوزته دافعا للذل عن عزته وقد عزم على أفظع امر وقال بيدي لا بيد عمرو ثم صرفه تقاه عما كان نواه فنزل من القصر بالقسر إلى قبضة الأسر فقيد للحين وحان له يوم شر ماظن انه يحين ولما قيدت قدماه وذهبت عنه رقة الكبل ورحماه قال يخاطبه .
( إليك فلو كانت قيودك أسعرت ... تضرم منها كل كف ومعصم ) .
( مخافة من كان الرجال بسيبه ... ومن سيفه في جنة او جهنم ) .
ولما آلمه عضه ولازمه كسره ورضه وأوهاه ثقله وأعياه نقله قال .
( تبدلت من عز ظل البنود ... بذل الحديد وثقل القيود ) .
( وكان حديدى سنانا ذليقا ... وعضبا رقيقا صقيل الحديد ) .
( فقد صار ذاك وذا أدهما ... يعض بساقي عض الأسود ) .
ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت وضمتهم جوانحها كانهم اموات بعدما ضاق عنهم القصر وراق منهم العصر والناس قد حشروا بضفتي الوادي وبكوا بدموع كالغوادي فساروا والنوح يحدوهم والبوح باللوعة لا يعدوهم وفي ذلك يقول ابن اللبانة .
( تبكي السماء بمزن رائح غاد ... على البهاليل من أبناء عباد ) .
( على الجبال التي هدت قواعدها ... وكانت الأرض منها ذات أوتاد )